السائل: محمد الإماراتي التاريخ: 20/03/2015 عدد القراء: 23160 السؤال: فضيلة الشيخ ما قولكم في مفشّـر الأحلام الذي قال إن الثوب الإماراتي من السنة و الثوب الكويتي ليس من السنة ، بناء على حديث ورد ( وعليه ثاب قطرية ) وفسرها بأنه التفصيل الإماراتي الذي بدون رقبة للثوب !!
جواب الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام ، على نبّينا محمّد وعلى آله ، وصحبه ، وبعد :
أولا لنحرّر معنى ما ورد في الحديث ( ثوب قطري ) فقد ذكر الإمام ابن الأثير رحمه الله ، أنه في الأصل نسبة إلى قَطَر نفسها
.
قال ابن الأثير رحمه الله : ( " بثوب قطري " هو ضرب من البرود فيه حُمْرَة ، ولها أعلام فيها بعض الخشونة ، وقيل : هي حُلل جياد تُحمل من قِبَل البحرين _ والبحرين تطلق آنذاك على شرق الجزيرة العربية وليس جزيرة مملكة البحرين الحالية _ وقال الأزهري : في أعراض البحرين ، قرية يُقال لها : قَطَـر ، وأحسب الثياب القطرية نسبت إليها ، فكَسَرُوا القاف للنسبة وخففوا ) أ.هـ
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني : " ثياب من غليظ القطن ، ونحوه " كما في جمع الوسائل شرح الشمائل لعلي القاري
وهذا يدل على أن لاعلاقة لما ورد بالحديث ، بتفصيل الثوب الإماراتي على النحو الذي يلبسه أهل الإمارات الكرام ، ولو كان الإستدلال بما ورد عن النبي صلى الله عليه من أفعاله المجردة يصح هكذا ، لكان القول بأن الثوب القَطَري _ أعني التفصيل الذي يلبسه أهل قطر الكرام _ من السنة ، هـو الأولى بالصواب ، غير أن هذا الإستدلال خطأ ، إذ هو مبنيُّ على قاعدة خاطئة كما سنبينه .
.
وذلك أنّ جعل كل ما ورد من أفعال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سنّة ، ليس صوابا ، ونحن نتحدث هنا عن الأفعال المجردة التي لاتقارنها سنّة قولية، فهي لا تدل على الإستحباب بالضرورة .
.
كما في " المسودة في أصول الفقه " (ص71): " فعل النبي صلى الله عليه وسلم يفيد الإباحة إذا لم يكن فيه معنى القربة " ا.هـ
.
وقال الدكتور محمد الأشقر رحمه الله : " الفعل (العاديّ) ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم جرياً على عادة قومه ومألوفهم ، كبعض الأمور التي تتصل بالعناية بالبدن ، أو العوائد الجارية بين الأقوام في المناسبات الحيوية ... ومن أمثلتها أنه صلى الله عليه وسلم لبس المِرْط المُرَحّل ، والمخَطّط "ثياب منقوش عليها صورة رحال الإبل أو يكون به خطوط"" ، والجبّة ، والعمامة ، والقباء ، وأطال شعره ، واستعمل القرب الجلديّة في خزن الماء .... وأيضاً : كانت العروس تزف إليه في بيته ، لا في بيت أبيها كما هي عادة بعض البلاد الإسلامية الآن..
وحكم هذه الأمور العاديّة وأمثالها ، كنظائرها من الأفعال الجبليّة ، والأصل فيها جميعاً ، أنها تدل على الإباحة لا غير ، إلاّ في حالين:
أولا : أن يرِدِ قولُ يأمر بها أو يرغّب فيها ، فيظهر أنها حينئذ تكون شرعية
.
ثانيا : أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرينة غير قوليّة ، كتوجيه الميت في قبره إلى القبلة ، فإنّ ارتباط ذلك بالشرع لا خفاء به " انتهى من مؤلفه البديع " أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام " 1/237
.
وقد ذكر العلماء أن اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لا يكون بموافقته في الصورة فقط ، بل يكون بموافقته في الصورة وفي قصده من الفعل ، فإن قصد بفعله التقرب إلى الله ، صحّ الإتباع ، وإن فعل الفعل موافقة لعادة قومه مثلا ، ولم يقصد به التقرب إلى الله ، فمن فعله بنية التقرب إلى الله فقد خالف اتباعه صلى الله عليه وسلم .
.
وقد كان علماء الصحابة وفقهاؤهم رضي الله عنهم يفرّقون بين هذين النوعين ،كما روى مسلم (1264) عن أبي الطفيل أنه سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أَخْبِرْنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا أَسُنَّةٌ هُوَ ، فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أنه سُنَّةٌ قَالَ : صَدَقُوا وَكَذَبُوا!
قَالَ : قُلْتُ : وَمَا قَوْلُكَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟
.
قَالَ : إن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ : هَذَا مُحَمَّدٌ ، هَذَا مُحَمَّدٌ ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ ومَشى ، وَالسَّعْيُ أفضل .
.
فقول ابن عباس رضي الله عنه عن السعي راكباً : (لَيْسَ بِسُنَّةٍ) مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، يدل على أنهم يفرقون بين ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بقصد القربة إلى الله تعالى ، وما فعله لمعنى آخر لايريد به التقرب إلى الله والتعبّد به ، فالأول هو السنة المستحبة الفعل ، التي يشرع الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيها ، وأما الثاني فليس بسنة إلا إذا أريد معناها الحديثي أي كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدخل فيه حتى صفاته الخَـلقيّة.
ومما يزيده وضوحا ، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/280)
( وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل ، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة ... ، وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده ، مثل أن ينـزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصداً لتخصيصه بالصلاة والنـزول فيه ، فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النـزول ، لم نكن متَّبعين ، بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه" انتهى
وقال أيضا في مجموع الفتاوى (17/466:
"وكان ابن عمر رضي الله عنهما رجلا صالحا شديد الاتباع فرأى هذا من الاتباع ، وأما أبوه وسائر الصحابة من الخلفاء الراشدين عثمان وعلي وسائر العشرة وغيرهم مثل ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب فلم يكونوا يفعلون ما فعل ابن عمر ، وقول الجمهور أصح" انتهى
ثم ذكر رحمه الله ما جعل عمر رضي الله عنه ينكر الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأشياء ، فقال : " رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة ... وهذا هو الأصل ، فإن المتابعة في السنَّة أبلغ من المتابعة في صورة العمل " ا.هـ
ومن الأمثلة على هذا ، جواب سابق لللجنة الدائمة للإفتاء عن كتيب ذكر مؤلفه أنه يسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أشياء ، لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم بقصد التقرب والعبادة ، ومنها "فك الأزرار" يعني إزرار القميص
.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية 11/21 :
"فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من بعض الناصحين المقيد بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (779) وتاريخ 6/2/1421 هـ ، مشفوعا به نسخة من كتاب باسم : ( تذكير الطائفة المنصورة ببعض السنن المهجورة ) جمع المدعو : محمود إمام منصور ، طبع دار المآثر بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم عام 1420 هـ.
.
وبدراسة هذا الكتاب وجد أن كاتبه بناه على قاعدة أسسها من عنده ، وهي : أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة لها حكم التشريع والسنية ، كأفعاله صلى الله عليه وسلم التي يفعلها على سبيل العبادة ، كما في (ص17) ، ومعلوم أن الخلط بين الأفعال العادية الجبلية ، والتشريعية غلط محض ، وتقعيد مغلوط ، كما هو مقرر في محله من كتب الأصول ، وبناء على هذا التقعيد المغلوط الذي بنى عليه المؤلف كتابه وقع في عدد كثير من الأخطاء العلمية والشذوذات الفقهيةأ.هـ
وبناء على هذا التفريق الفقهي البصيـر ، قال المحدث الشيخ الألباني رحمه الله :
و(كان الرسول صل الله عليه وسلم يحب العسل) ، ومن لم يحب العسل لا يقال : إنه خالف السنة.
و(كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيل شعر رأسه ، حتى إنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وقد جعل شعر رأسه أربع ضفائر
ولا يقال لمن لم يجعل شعره ضفائر : إنه خالف السنة!
كذلك إطالة الشعر ، فعل ذلك صلى الله عليه وسلم لأنه عادة العرب ، وكانوا يجعلونه في بعض الأحيان ضفائر
ولا يقول أحد من أهل العلم والفقه : إن جعل الشعر ضفائر من السنة ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك
كذلك اليوم نلبس "الصندل" وفيه فتحة واحدة لأصابع الرجل الخمسة ، بينما كان نعل الرسول صلى الله عليه وسلم فيه فتحة للإبهام ، وفتحة أخرى لسائر الأصابع . كما رواه البخاري
فإذا نحن لبسنا النعال التي نلبسها اليوم لا يقال : إننا خالفنا السنة ، لأن هذه الأمور عادية
فإذا عرفت هذه القاعدة : أن السنة سنتان : سنة عبادة ، وسنة عادة ، فيجب على طالب العلم أن ينظر إلى ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، هل صدر ذلك الفعل منه بقصد العبادة والتقرب إلى الله ؟ أم هو عادة أو جبلة أو ... أو ..... إلخ مما هناك من الحوافز والحوامل
إذا عرفت هذه القاعدة استرحت في كثير من الأمور ، منها : أزرار القميص " انتهى كلام المحديث الشيخ الألباني مع بعض التلخيص
وبعد هذا كله يتبين أن ما ذكره مفسر الأحلام _ إن كان حقا مفسرا للأحلام _ من أن الثوب القِطْري من السنة ، ثم فسرها بأنه الثوب الإماراتي ! من السنة ، والثوب الكويتي ليس من السنة ، ليس سوى خلط ، يدل على قلة العلم ، وضعف الفقه بالدين والله أعلم
|