الشيخ محمد طرهوني في حوار صريح

 

شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، قال تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاج

يوسف عليه السلام كان نبيا كريما مقيما للعدل وليس عميلا للمحتل
إذا كان الفقه هكذا، فالخوارج يستدلون بخروج الأنبياء على ولاة أمرهم
.

في حوار مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن رزق بن طرهوني أستاذ مادة التفسير وعلوم القرآن في كلية التربية سابقا وفي جامعة المدينة العالمية حاليا وصاحب المؤلفات المشهورة في التفسير وعلوم القرآن، حول الضجة التي أثارتها استدلالات الشيخ عبد المحسن العبيكان بشأن منع قتال الأمريكان في العراق، وطارت بها بعض وسائل الإعلام السعودية ونفخت فيها وصنعت منها حدثا بارزا، وهكذا الصناعة الدعائية ترفع من يوافق هواها، وتبخس من لا ترضى عنه، ورب فتوى تضج منها السماء..، فند الشيخ طرهوني حجج ومزاعم العبيكان وأفاض في الرد.

* فضيلة الدكتور محمد طرهوني كلنا نقرأ سورة يوسف ونعجب من أحداث القصة ووقائعها وقد استنبط الشيخ العبيكان من تولية حاكم مصر الكافر يوسف عليه السلام خزائن الأرض صحة ولاية من نصبه الكافر على المسلمين كما هو الحال في العراق، فما رأي فضيلتكم في هذا الاستنباط ؟

- غفر الله لأخينا الشيخ عبد المحسن العبيكان، فشتان بين الحالين وما أبعد هذا الاستدلال عن الصواب بل لو لم نعرف عين القائل بذلك لقلنا إنه إما جاهل أو مدفوع الأجر، ولكن كما قال كثير من العلماء من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، والشيخ ليس من أهل التفسير وغالب انشغاله بالقضاء الذي يستنفذ وقت القاضي ويشغله، ولعله السبب في عدم ترقي الشيخ في الدرجات العلمية. ومع وضوح الخلل في هذا الاستدلال لابد لنا أن نبين أوجهه حتى لا يغتر به أحد فنقول:

الرد على هذه الشبهة من أوجه ثلاثة:

الأول : جميع أهل العلم يعرفون أن هناك مسألة خلافية تسمى مسألة شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ والذي أجمعت عليه الأمة هو أن شرع من قبلنا إذا خالف ما ثبت في شرعنا فهو منسوخ به لا محالة.
وأما إذا لم يخالف فوقع فيه الخلاف والجمهور على أنه ليس شرعا لنا إلا إذا سيق مساق المدح والثناء.

قال النووي في المجموع 5/92: شرع من قبلنا للأصوليين من أصحابنا وغيرهم خلاف في الاحتجاج به إذا لم يرد شرعنا بمخالفته، أما إذا ورد بخلافه فلا حجة فيه بالاتفاق.

وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 2/198 : شرع من قبلنا ليس بشرع لنا على الصحيح وإن ورد في شرعنا ما يقرره خلافا لبعض المتأخرين.

وذكره الغزالي في المستصفى1/165 في الأصل الأول من الأصول الموهومة التي ليست من الأدلة وهو شرع من قبلنا من الأنبياء فيما لم يصرح شرعنا بنسخه.

وذكره ابن قدامة في روضة الناظر 1/160 _ 161 في الأصول الأربعة المختلف فيها، فقال: الأصل الأول شرع من قبلنا إذا لم يصرح شرعنا بنسخه هل هو شرع لنا ... فيه روايتان ثم ذكر سبعة أدلة على القول بأنه ليس بشرع لنا.

قال ابن العربي: لا ننكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته منفردان بشريعة وإنما الخلاف فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم أتباعه أم لا
ومن الأدلة على كون شرع من قبلنا ليس شرعا لنا قوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.

وقوله: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.

وقد ذكر سبحانه عن بني إسرائيل أنه كان من شروط توبتهم من عبادة العجل أن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضا وهذا محرم في شريعتنا أشد التحريم.

وذكر أيضا أنه تعالى حرم عليهم طيبات أحلت لهم فقال: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وقال: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، والنصوص في ذلك كثيرة.
ولماذا نبتعد، فإن سورة يوسف نفسها بها من أحكام بني إسرائيل التي لا تجوز في شريعتنا مواضع ومنها:
حكم يوسف عليه السلام بشريعة بني إسرائيل في استرقاق السارق، حيث استرق أخاه بتهمة السرقة كما قال تعالى: قلوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين.

وأيضا السجود لغير الله حيث كان سائغا في شريعتهم كما قال تعالى: ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.

والبعض يظن جهلا أن قوله تعالى: فبهداهم اقتده، المراد به فروع شرائعهم، والذي لا خلاف فيه أن ذلك خاص بأصول التوحيد ونحوها والانصياع لدين الله إجمالا. قال القرطبي 16/164 : ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح وإنما خالف بينها في الفروع حسب علمه سبحانه.

ولو سحبنا فقه العبيكان على مسائل أخرى، لقلنا إنه يدعو إلى الخروج على ولي الأمر إقتداء بموسى عليه السلام حيث خرج على ولي أمره فرعون مصر، وكانت مصر قد دانت له فخرج موسى عليه وأنكر عليه علنا وألب الناس ولم يرع تربية فرعون له ورعايته له وإنفاقه عليه. وكذا ما فعله إبراهيم عليه السلام عندما خالف والده واتهمه وقومه بالضلال ثم قام بتغيير المنكر بيده مفتئتا على ولاة أمره وأولهم والده فكسر الأصنام وكان يمكن أن يكتفي بالنصح والتوجيه والدعوة السلمية.

وكذا سائر الأنبياء في خروجهم على ولاة الأمر في زمانهم على حد زعم العبيكان.

إلى غير ذلك من صور تدل على فساد هذا الفهم.
إذن لا يصلح الاستدلال بتلك القصة لأنها من شرع من قبلنا.

الثاني: لو سلمنا جدلا بأن شرعهم شرع لنا فالبعد بين الدليل والمستدل عليه بعد ما بين المشرقين ومع غض الطرف عن كون يوسف عليه السلام نبي كريم مؤيد من الله، فلا يمكن أن يقارن برجل عادي فضلا عن بعثي خائن، فإن يوسف عليه السلام كان:
عبدا، أسيرا، مسجونا، وحيدا، في بلد غير بلده، غير مأمور بقتال، لم يعتد عليه الملك ولم يسلب منه أرضه ويقتل أهله وينتهك عرضه. ثم ولاه الملك لثبوت صلاحه وعلمه وخوله ليحكم بشريعة الله تعالى كيفما شاء دون سلطان من أحد عليه كما قال تعالى: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ....
وأي أمر أعظم من التمكين في الأرض ؟؟
فأقام يوسف العدل وحكم بالقسط ولم يكن ثمة قتال وحرب ولا دماء ولا أشلاء.

وأما الحالة المستدل بها، فجيش كافر مستكبر متجبر أهلك الحرث والنسل وتعاون معه الخونة والأفاكون ومتاجرو الأعراض أمر الله سبحانه بقتالهم ودفعهم وحرم الفرار من أمامهم فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.

وقال صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد... إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة التي امتلأ بها الكتاب والسنة.

فلما رأى هذا الجيش الكافر إباء المسلمين ومناجزة بائعي الأنفس لرب العالمين أتوا بعميل لهم ليكون عصا الردع للمجاهدين الذين يذودون عن حياض الدين وعرض المؤمنين بخطة بلهاء لا تنطلي إلا على السفهاء وساذجي التفكير.

الثالث: أن المسائل الشرعية التي استفاضت فيها الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة، فكيف يترك هذه النصوص الأصلية في المسألة بعينها، ويذهب الذاهب بعيدا بعيدا بعيدا ليلتقط له شبه شبهة يحاول أن يتعلق بها ليعزز بها قولا شاذا بمعزل عن الصواب، فالنصوص الشرعية في دفع المحتل ومجاهدة الباغي والاعتماد على الله في ذلك فهو المولى وهو النصير والاعتقاد بأن النصر ليس بالعدد والعدة نصوص متواترة لا يختلف عليها أحد من العقلاء فضلا عن العلماء.
ولنتخيل شخصا نكلمه في حجاب المرأة المسلمة ووجوب ستر بدنها عن الرجال الأجانب وعدم اختلاطها بهم، فيأتي ويترك الآيات والأحاديث المستفيضة في ذلك ويستدل على جواز كشف عورتها واختلاطها بقوله تعالى: فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها!. أو بقوله: فجاءته إحداهما تمشي على استحياء أو بقوله: وامرأته قائمة فضحكت ...ونحو ذلك. فنقول له رويدك... أين أنت عن قوله تعالى: قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن... الآية. وأين أنت عن قوله : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... الآية
أعميت عن هذه الآيات وأبصرت تلك؟

فكذلك نقول: أين أنت عن قوله تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. أين أنت عن قوله: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. أين أنت عن قوله تعالى : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب. أين أنت عن قوله تعالى: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة
والآيات كثيرة فضلا عن الأحاديث وفيما ذكرنا كفاية.
* كلام جميل، لكن الشيخ العبيكان قد أيد كلامه عن هذه الآية بنقول عن العلماء فما قولكم؟
- نعم لقد اطلعت على نقوله ولكنها في واد والمسألة في واد آخر، فهذه النقول عن هؤلاء العلماء:

أولا: على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وقد تقدم ما فيه.
ثانيا: أنها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما ذهب إليه الأخ الشيخ العبيكان، لأنها تتكلم عن تولية حاكم ظالم أو كافر في دولته رجلا مسلما في ولاية فهل يجوز ذلك أم لا؟ يعني في أمريكا مثلا أو في بريطانيا أو فرنسا أو حتى في أسبانيا التي كانت دولة إسلام سابقا واستولى عليها الكفار، هل يجوز للمسلم أن يعمل لدى هذه الحكومة الكافرة؟
ولم يتعرضوا البتة لجيش كافر اجتاح بلاد المسلمين وهم في جهاد معه ومناجزة وأراد أن ينصب عليهم عميلا له عليهم ليوقف جهادهم لأنهم متفقون بداهة وبالإجماع الذي لا يعرف أحد في تاريخ الإسلام يخالفه على قتاله ودفعه بكل ما يمكن من الوسائل.
ثالثا: إنهم اشترطوا شروطا لقبول عمل المسلم لدى الكافر وهي أن يقوم بالعدل والقسط ويطبق شريعة الله في ولايته.

* ومما استند إليه الشيخ العبيكان أن أمريكا قد وعدت بالخروج من العراق إذا توقفت مهاجمتها فلو انتظرنا ذلك ثم لكل حادث حديث بعد؟
- أقول: هذا كلام عجيب أين نحن من آيات ربنا:
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا
أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم
ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر
هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم
هؤلاء سفلة مجرمون لا خلاق لهم ولا أيمان ولا عهود ولا مواثيق ما الذي جاء بهم إلى ديار المسلمين بعتادهم وعدتهم في حملة صليبية شعواء إذا كانوا يريدون الخروج؟ هل من جاء بالآلاف المؤلفة وأنفق المليارات وقطع المسافات الطوال ليقتل ويدمر الأبرياء والعزل وينتهك أعراض المسلمين سيخرج، والله لا يخرجه إلا الجهاد.

وأنا أنصح العبيكان وأمثاله ممن تنطلي عليهم ألاعيب هؤلاء السفلة بقراءة كتاب سياسي لرجل مسلم معروف متمكن فيما كتب وهو من رجالات المملكة المشاهير ومن المسئولين السياسيين وهو الدكتور فهد العرابي الحارثي وكتابه هو أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل، فلو قرأ فيه قليلا لعلم أن أمريكا لم تكن يوما في حياتها نزيهة، بل يحوطها الإجرام والظلم وأكل الضعفاء والسذج.

* إذن أنتم تؤيدون ما ذهب إليه العلماء الست والعشرون فيما دعوا إليه؟
- أنا أؤيد كل إنسان سواء أكان عالما أم غير عالم واحدا أم جماعة يقول بوجوب محاربة المحتل وطرده من أراضي المسلمين، لأن هذا إجماع من الأمة ومن يخرق هذا الإجماع يخشى عليه قال تعالى: ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.
وأما بالنسبة لهؤلاء العلماء، فهم معروفون وأكثرهم من حملة الدكتوراة وأساتذة الجامعات وهم من أعلى الناس علما في المملكة، ولا يعني هذا أنهم لا يخطئون ولكنهم حووا من هم أفضل علما وأكبر سنا وأكثر عددا وأنشط في الدعوة والتأليف من الشيخ العبيكان، مع احترامنا للجميع فبعضهم لو انفرد وحده تجده أفقه وأعلم من الشيخ فكيف بالمجموع؟ نفع الله بهم جميعا.

* لكن الشيخ العبيكان نصح أن يكون المرجع في مثل هذه الأمور المصيرية الهامة لهيئة كبار العلماء فما تعليقكم على ذلك؟
تعليقي أن هذه أعظم أضحوكة في كلامه هداه الله لأنه أول من ناقض نفسه يقول المرجع لهيئة كبار العلماء ويطلق لنفسه هو وحده أن يخلط بمثل هذه الفتاوى العجيبة ولو كان أحد أعضاء الهيئة لما جاز له على حد كلامه أن ينفرد فكيف وهو حتى لم يتم تعيينه فيهم.

وقديما قالوا: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وقالوا: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريض

وعلى كل هيئة كبار العلماء جهة رسمية معينة أفرادها لا يزيدون علما عن غيرهم من أهل العلم، بل هناك من هو أعلم منهم بلا جدال ولا ريب، وكل ما في الأمر أن هذه جهة معتمدة لدى الدولة في أوقات الحاجة.

أيضا هذه الهيئة غير معتمدة في غير المملكة، وهناك جهات كثيرة مثلها معينة من قبل دولها ومسألة العراق مسألة إسلامية غير مقتصرة على دولة دون أخرى وليست حكرا على من عينتهم الحكومات
 .

والعجيب في الأمر أيضا أن الشيخ خالف ما أجمعت عليه الهيئة في فتواه في السحر وخالف لجنة الإفتاء التي هي جهة الإفتاء الرسمية في برنامج طاش ما طاش إلى غير ذلك من المخالفات التي ندعو الله أن يقلع عنها ويتوقف عن الشذوذ بها.

* آية أخرى والحديث ذو شجون قوله تعالى: "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" احتج بها الشيخ العبيكان على عدم مناصرة أهل العراق للمواثيق التي بين أمريكا وغير العراقيين فما رأيكم؟

أقول لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد اتفق أهل العلم على تحريم وتجريم أن يقول أحد في كتاب الله برأيه ودون أن يعرف أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وما إلى ذلك. وهذه الآية لها سبب متعلق بها ومذكورة في المنسوخ ولا علاقة لها إطلاقا بأحد من المسلمين بعد نسخ وجوب الهجرة إلى المدينة على كل مسلم، فهل هناك أحد يجب عليه الهجرة الآن إلى المدينة من أهل العراق وغيرهم ويرفض هذه الهجرة فيعاقب بذلك ؟

هل يجوز لعاقل أن يأخذ بعض الآية ويترك بعضها وهي كلها متصلة ببعض ؟؟

الآية تقول: "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق"، فالضمير في قوله: استنصروكم، راجع للذين آمنوا ولم يهاجروا.

فهل كان أهل العراق من الذين آمنوا ولم يهاجروا؟

قال الطبري: يعني بقوله تعالى ذكره [والذين آمنوا] الذين صدقوا بالله ورسوله [ولم يهاجروا] قومهم الكفار ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام [ما لكم ] أيها المؤمنون بالله ورسوله المهاجرون قومهم المشركين وأرض الحرب [من ولايتهم] يعني من نصرتهم وميراثهم [من شيء ] حتى يهاجروا قومهم ودورهم من دار الحرب إلى دار الإسلام [وإن استنصروكم في الدين ] يقول إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا [في الدين] يعني بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين [فعليكم] أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار [النصر إلا] أن يستنصروكم [على قوم بينكم وبينهم ميثاق] يعني عهد قد وثق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه.ا.هـ

وجملة ما قاله الرازي في هذه الآيات من هذه السورة وهي الأنفال أن الله تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أربعة أقسام وذكر حكم كل واحد منهم وتقرير هذه القسمة أنه عليه السلام ظهرت نبوته بمكة ودعا الناس هناك إلى الدين ثم انتقل من مكة إلى المدينة، فحين هاجر من مكة إلى المدينة صار المؤمنون على قسمين منهم من وافقه في تلك الهجرة ومنهم من لم يوافقه فيها بل بقي هناك.

أما القسم الأول فهم المهاجرون الأولون وقد وصفهم بقوله: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجـاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله".

وأما القسم الثاني من المؤمنين الموجودين في زمانه صلى الله عليه وسلم فهم الأنصار، وقد وصفهم الله بقوله والذين آووا ونصروا. وقد وصف الله هذين القسمين بأنهم هم المؤمنون حقا وأن بعضهم أولياء بعض
والمراد بالولاية كون بعضهم معظما للبعض مهتما بشأنه مخصوصا بمعاونته ومناصرته والمقصود أن يكونوا يدا واحدة على الأعداء وأن يكون حب كل واحد لغيره جاريا مجرى حبه لنفسه وكذا يكونون شركاء في الفيء والغنيمة ويدخل في ذلك أيضا التوارث بينهم وقد نسخ هذا بعد.

والقسم الثالث من أقسام مؤمني زمان الرسول عليه السلام وهم المعنيون بالجزء المستشهد به باطلا هم المؤمنون الذين ما وافقوا الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وبقوا في مكة مخالفين أمر الله تعالى لهم بالهجرة، فنفى الله عنهم الولاية التي أثبتها لمن هاجر، ولا نصيب لهم في الفيء ولا الغنيمة ولا الإرث حتى يهاجروا يعني أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية وحصلت والمقصود منه الحمل على المهاجرة والترغيب فيها، لأن المسلم متى سمع أن الله تعالى يقول إن ترك الهجرة انقطعت الولاية بينه وبين المسلمين ولو هاجر حصلت تلك الولاية وعادت على أكمل الوجوه فلا شك أن هذا يصير مرغبا له في الهجرة والمقصود من المهاجرة كثرة المسلمين واجتماعهم وإعانة بعضهم لبعض وحصول الألفة الشوكة وعدم التفرقة.

ثم قال تعالى: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر فلما بين الحكم في قطع الولاية بين تلك الطائفة من المؤمنين، بين أنه ليس المراد منه المقاطعة التامة كما في حق الكفار بل هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا، إن استنصروكم فانصروهم ولا تخذلوهم، روي أنه لما نزل قوله تعالى مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا قام الزبير وقال فهل نعينهم على أمر إن استعانوا بنا فنزل وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر، ثم قال تعالى إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والمعنى أنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك.

ومما قاله الرازي هنا 15/168 واضح الدلالة حيث قال: ذكر الله ههنا أقساما ثلاثة فالأول المؤمنون من المهاجرين والأنصار وهم أفضل الناس وبين أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضا.

والقسم الثاني المؤمنون الذين لم يهاجروا فهؤلاء بسبب إيمانهم لهم فضل وكرامة وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة فوجب أن يكون حكمهم حكما متوسطا بين الإجلال والإذلال وذلك هو أن الولاية المثبتة للقسم الأول تكون منفية عن هذا القسم إلا أنهم يكونون بحيث لو استنصروا المؤمنين واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم فهذا الحكم متوسط بين الإجلال والإذلال.

والقسم الثالث هم الكفار قال: وأما الكفار فليس لهم البتة ما يوجب شيئا من أسباب الفضيلة فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصرة بوجه من الوجوه فظهر أن هذا الترتيب في غاية الحسن.

وقال القرطبي 8/57: وإن استنصروكم في الدين، يريد إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم إلا أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته. قال ابن العربي: إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم، كذلك قال مالك وجميع العلماء فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو...ا.هـ

وقد كانت الهجرة فرضا وكان شأنها عظيما قال القاضي أبو يعلى: إلى أن فتحت مكة. وكان الذي يرجع لباديته بعد هجرته يعتبر قد وقع في كبيرة من الكبائر عبر عنها بالردة في نصوص كثيرة.

وقد روى أحمد وغيره بسند صحيح عن جرير بن عبد الله قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه فقلت هات يدك واشترط علي وأنت أعلم بالشرط، فقال أبايعك على أن لا تشرك بالله شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتنصح المسلم وتفارق المشرك. وعنه أيضا عند البيهقي وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة.

على أن مسألة الميثاق وبقائه مع الكافر ذهب بعض أهل العلم إلى نسخه فقال الكرمي في الناسخ والمنسوخ إنها منسوخة بآية السيف التي فيها قتال المشركين كافة.
وواجب على كل المسلمين مناصرة إخوانهم على من اعتدى عليهم ومجرد اعتداء الكافر على أخيك المسلم يعتبر ناقضا لأي ميثاق وعهد بينك وبينه ولا يمنعك هذا الميثاق لأنه لم يعتبر إلا في الحالة المنسوخة كما قال أبو عبيد في الأموال 1/276 : ألا تسمع لقوله: "والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فهذا بين واضح أن الهجرة هي التي فرقت بين الحكمين".

* في نهاية هذا الحوار نشكر فضيلة الدكتور محمد طرهوني على ما تفضل به ونطلب منه كلمة نختم بها حديثنا.

في ختام هذا الحوار انتهز الفرصة لأنصح نفسي وإخواني بالتريث في الفتوى وعلى وجه الخصوص هذه القضايا المصيرية التي يترتب عليها سفك دماء المسلمين وأخص الشيخ العبيكان، حيث تسرع في أمور واضح بطلان استدلالاته فيها وخطورتها ودعمها من حيث لا يشعر لأعداء الملة، وقد قدر الله لي لقاء أحد علماء العراق الكبار في هذا العيد ودار بيني وبينه حوار حول الوضع عندهم، وقد ذكر لي أنهم يشكون في إسلام من يقول بمثل قول الشيخ العبيكان أو على الأقل في انتمائه لأهل السنة، وذكر لي نقلا عن مجلس الفلوجة الذي فاوض العلاوي لحقن دماء أهلها أنه بعد اتفاقهم تماما نقض كل شيء في اليوم التالي بناء على تعليمات بوش، وأنه لابد من اجتياح الفلوجة فذهبوا للرئيس المعين من قبل الاحتلال، فقال ما معناه ليس بأيدينا شيء. فالمحتل يريد إبادة الأخضر واليابس والقضاء على أهل السنة بمعاونة العملاء والخونة وغيرهم في حرب صليبية لا هوادة فيها، وما أقبح منظر القوات الأمريكية وقد اتخذوا بيوت الله المطهرة مرتعا لهم كما في الصور المنتشرة على شبكة الإنترنت وغيرها، مما يدلل على أنهم لا يريدون إلا إذلال هذا الدين والقضاء على أهله ولكن الله غالب على أمره وناصر دينه والأخبار تسر وتبشر بالخير والقتلى في صفوف الكفار بالآلاف المؤلفة، وقد أخبرني هذا العالم العراقي أنه إذا قتل من الكفار عشرة قيل جرح واحد جرحا خفيفا تضليلا ودجلا وكذبا، ولكن أظهر الله الكثير من الحقائق رغما عنهم وما ينتظرهم أسوأ بإذن الله نسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا عليهم وأن يكون في هذه الحرب نهايتهم "وإن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون".

الجـــــزء الثـــــــــاني

تسمية العمليات الاستشهادية لا يعني مشروعيتها وإنما باعتبار قصد صاحبها
قتل النفس كان مشروعا قربة إلى الله في بعض الأمم السابقة ولو دعت إليه الضرورة جاز
المصلحة والمفسدة والقدرة وعدمها اصطلاحات مطاطة كل يمكن أن يستخدمها
إهمال قول المخالف واطراحه كارثة علمية ويخشى منها العجب وتزكية النفس
جميع العلماء كانوا يرون مشروعية جهاد الأفغان فهل كانت لدينا القدرة وقتها ثم نزعت الآن



من الأمور التي انتقدها الشيخ العبيكان العمليات التي يسميها البعض استشهادية فما وجهة نظركم في ذلك ؟

هذه مسألةٍ ذاتِ أهميةٍ بالغةٍ وقد كَثُرَ الحديثُ عنها ، وهي من الأمورِ المستجدة التي جَدَّتْ في زماننا ولم تكن معروفةً في سابق العصور ، وهي العمليات التي يُطلق عليها العمليات الاستشهادية أو ما يسميها البعض الانتحارية أو الفدائية ولا مشاحة في الاصطلاح ، ولكن الأصحَّ أنها يطلَق عليها العمليات الاستشهادية حتى وإن لم يكنِ الفعلُ الذي فعله صاحبُها مشروعاً ، فإن كثيراً ممن يقوم بهذه العملياتِ إنما يقصد بذلك الاستشهادَ ، فحتى وإن لم يُكتَبْ له ذلك أو لم يكن ذلك مشروعاً فإن إطلاقَ اسمِ العملياتِ الاستشهاديةِ لهذا المسمى إنما هو متعلقٌ بقصدِ الفاعل ولا يعني ذلك أنه يكون شهيداً حقيقة ، فقد يطلب الرجلُ الشهادةَ ، فهذا استشهادٌ ، ولا يُعطاها أو لا يؤتاها لموانعَ ، فلا رابطَ بين صحة هذا العمل وبين إطلاقِ هذا المسمى عليها أنها عملياتٌ استشهاديةٌ ، والعبرةُ بمراد الشخصِ منها .

هذا من حيثُ المسمّى ، وأما من حيث المشروعية فاختلافُ أهلِ العلم في زمانِنا حولَ هذه العملياتِ مرجعُه إلى تأمُّلِ أمرٍ هام ، وهو : هل هناكَ فرقٌ بينَ تعريضِ الشخصِ نفسَه للقتلِ بيدِ غيرِه وبين أن يَقتلَ هو نفسَه إذا كانت النتيجةُ واحدةً ، فمثلاً إذا أرادَ شخصٌ أن ينتحرَ فتقدم إلى سيارةٍ تمشي بسرعةٍ فصدمَتْه هذه السيارةُ ، فهل هو يستوي مع من أخذ سكيناً فطعن نفسه أو شرب سماً أو خنق نفسه أو فجر نفسه ...

إذا كان الأمران متساويين فإن هذه العملياتِ تستوي مع فعلِ كثيرٍ من السلف الصالحِ الذين نزل فيهم قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) حيث كان الرجل منهم يحمل على المشركين وحده ويغمس نفسه بين صفوفهم وسيوفهم وقد توهم البعضُ أن هذا من إلقاءِ النفس إلى التهلكةِ فرد عليهم كبارُ الصحابة بأن هذا ليس بصحيح وأن الذي يحمِلُ على العدو ولو كان واحداً وقد غلبَ على ظنه أنه سيُقتل لا محالةَ إنما باعَ نفسه لله تعالى ولا يُعتبَر بذلك قاتلاً لنفسه .

ثم إن المقصدَ الذي يقصدُه من يفعل ذلك هل هو التخلصُ من الدنيا أو هو إرضاءُ الله عزوجل والنكايةُ في العدو ؟ فرقٌ كبيرٌ في النية ، فإن الله تعالى يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) فإذا كان القتلُ ليس من باب العدوانِ وليس من باب الظلمِ فليس ذلك مستوياً مع القتل الذي يكون لله تعالى . فلا بدَّ من التفريقِ ؛ لا يظن الظان أن هذا يشبِه الانتحارَ بل إن ذلك أشبهَ بالحملِ على العدو وإلقاءِ المسلم بنفسه تحتَ السيوف وهو يعلمُ أنه مقتولٌ لا محالةَ وقد ينجو ، هذا هو الفارقُ الوحيدُ ولكن النيةَّ التي نواها ودخل بها تجعلُ العملَ مستوياً ، وكما قلتُ لا فرقَ في الإثم بين من يقتلُ نفسَه بالرصاص أو يطلب من غيره أن يطلقَ عليه الرصاصَ ليقتلَه .

فمسألةُ التعرضِ وإلقاءِ النفسِ في وسطِ السيوفِ وتحتَ رماحِ الأعداءِ لا تختلفُ كثيراً إلا مجردَ أن هذه فيها احتمالٌ ضئيلٌ للنجاةِ والأخرى ليس فيها احتمالٌ للنجاة . يعني : هناك احتمالٌ لهذا الذي رمى نفسه تحت السيارةِ أن السيارةَ يمكن أن تتجنبَه ، ويمكن أن تصدمَه فلا يموتُ ، ولكنه إذا ماتَ فهو قاتلٌ لنفسِه وكذلك الذي ضربَ نفسَه بالرصاصةِِ في رأسِهِ فهو ميتٌ لا محالةَ ، وفي هذه الحالِ فهو يستوي تماماً مع الذي رمى نفسَه تحتَ السيارةِ ، مع أن الحالةَ الأولى يُحتمَلُ فيها أنه ينجو .
وقد كان بعض الصحابة يكسر جفن سيفه وبعضهم يترجل من فرسه وبعضهم يتحنط ويلبس الأكفان لأنه نوى ألا يرجع لأهله وأن يتعرض للقتل في سبيل الله .

وقد قال معاذ بن عفراء: يا رسول الله، مايضحك الربَّ من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً. قال: فألقى درعاً كانت عليه، فقاتل حتى قتل .

وسأل رجل البراء بن عازب فقال : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة، وهم ألف، ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال البراء: لا، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذَّنْب فيلقي بيده، ويقول: لا توبة لي .

والأدلة المشابهة لذلك كثيرة .

قال ابن تيمية: «جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنه يقتلونه، إذا كان ذلك مصلحة للمسلمين»
وقد كان قتل النفس في شريعة منزلة من الله قربة بل كان توبة صادقة كما قال تعالى عن بني إسرائيل : إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم
كما ذكر تعالى أنه لو كتب علينا أن نقتل أنفسنا لكان مسارعتنا لذلك خير لنا فقال : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا مايوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما .
إذا فليس كل قتل للنفس يستوي مع غيره والنية لها دور عظيم في ذلك .

ثم القاعدة الشرعية المشهورة أن الضرورات تبيح المحظورات وقتل النفس محظور لكنه يجوز إذا دعت إليه الضرورة فإذا لم يجد المسلم إلا هذه الطريقة للدفاع عن دينه وعرضه جاز .

وقد أجاز بعض أهل العلم للأسير أن ينتحر إذا غلب على ظنه أنه يفشي أسرار المسلمين تحت التعذيب ومنهم الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى وألف فيها بعض المعاصرين .

وهنا أيضاً نتعرضُ للحديثِ المشهورِ والقصةِ العجيبةِ التي ذكرها النبيُّ عليه الصلاة و السلام في مسألةِ أصحابِ الأخدودِ فإن الغلامَ الذي فَشِلَ الملكُ بقتله بمحاولاتٍ عدةٍ ثم بعد ذلك يَدُلّه الغلامُ على الطريقة التي يمكنُ أن يَقتُلَه بها ويعطيه سهماً من سهامه ويقول له : إذا أردتَ أن تقتلني فافعلْ كذا وكذا وقل بسم الله ربِّ الغلام . فهذا لو فُعِل بغير المقصدِ الشرعي وهو أن يُسْلِمَ الناسُ وأن يصلَ بذلك إلى مقصده من هدايةِ الناس لما جازَ ذلك أبداً ؛ أن يَدُلَّ الشخصُ آخرَ على طريقةِ قتله وأن يُمَكِّنَه من ذلك . فالمقصدُ اعتُبِرَ هنا ولم يُعتبر ذلك من باب الانتحار وإنما هو من بابِ بذل النفسِ في سبيل الله تعالى .

وقد يقول قائل هذا شرع من قبلنا وقد سبق كلامك فيه والجواب أن الراجحُ أن شرعَ من كان قبلَنا إذا ذُكِرَ بمدحٍ وثناءِ وما يُشبِهُ التقريرُ فهو شرعٌ لنا ، هذا هو الصحيحُ ، وقصةُ الغلامِ إنما ذكرها النبيُّ عليه الصلاة و السلام في معرضِ المدحِ والثناءِ والتقريرِ فليسَ في ذلك ما يجعلُها من الشرعِ الذي لا نأخَذَ به ، وعلى كلِّ حالٍ إذا كان المسألةُ من المسائلِ الخلافيةِ فالخلافُ معتبَرٌ ، ولا يُقالُ إن ذلكَ غيرُ مشروعٍ لأنَّ الخلافَ المعتبرَ له وجهةٌ والحمد لله .

أيضاً ؛ قتلُ النفس محرَّمٌ وقتل الغير أعظم ، فإن المسلمَ إذا قتلَ نفسَه فإنه قد فعلَ إثماً عظيماً ، وإذا قتلَ مسلما غيره فعلَ إثماً عظيماً بل هو أعظمُ . ولكنَّ أهلَ العلمِ يتفقون على جوازِ قتلِ المسلم إذا كان لذلك حاجةٌ ماسةٌ لهذا القتل كما في مسألةِ التترس ؛ فإذا تَتَرّسَ الأعداءُ ببعض المسلمين جازَ عند أهل العلمِ أن يقتُلَ المسلمُ أخاه المسلمَ حتى يصلَ لهؤلاء الكافرين ، ولا يَجعلْ حمايةَ شخصٍ أو شخصين أو ثلاثةٍ أو مائةٍ سبباً لاستباحةِ بلادِ المسلمين وتمكنِ الكفارِ منهم ، فكذلك الذي يُفَجر نفسَه في المشركين إنما هو يفجر نفساً لأجل النكايةِ في هؤلاءِ الأعداء ، وهذا أقلُّ مستوى وأقل درجةٍ من مسألة التترسِ التي تَكَلّم فيها أهلُ العلم كثيراً .

فهذه وجهةَ نظرِ الفريقين ، ولا شكَّ أن الفريقَ الذي يرى أنها عملياتٌ انتحارية إنما نظر إلى الأصلِ وهو أن قتلَ المسلم لنفسه لا يجوزُ وحرامٌ ، ولكنه لم يلتفتْ إلى النية ، والنيةُ كما قدمنا لها حظٌ كبيرٌ في هذا الأمرِ ، ثم إن الآثارَ الواردةَ في الحملِ على المشركين وفي غير ذلك تُقَوّي القولَ بأن هذه العمليات ليست عملياتٍ تُشبِه الانتحارَ بل هي أشبهُ بشراءِ النفسِ من الله تعالى ، وهذا ليس ترجيحاً لمسألةٍ على أخرى أو لقولٍ على آخرَ ولكن لتوضيحِ المسألةِ ، والله تعالى أعلم .

وأُذكر هنا كلماتٍ قليلةً ذكرها الحافظُ ابنُ حجر تشير إلى ما ذكرتُه الآن من وجهِ النظر التي تُدَلل على أن مثلَ هذه العملياتِ ليست أشبهَ بالانتحارِ بل هي أشبهُ بمن شرى نفسَه من الله . فيقول الحافظ رحمه الله :
( وفي قصةِ أنسِ بن النضرِ من الفوائدِ جوازُ بذلِ النفسِ في الجهادِ ، وفضلُ الوفاء بالعهدِ ولو شقَّ على النفسِ حتى يصلَ إلى إهلاكِها ) تأملوا هنا كلمة ( حتى يصلَ إلى إهلاكها ) ولم يقل ( حتى يصل إلى هلاكها ) ففيه بيانُ أنه أهلكَ نفسَه بانغماسِه في وسط المشركين ، ثم يقول : ( وأن طلبَ الشهادةِ في الجهاد لا يتناوله النهيُ عن الإلقاءِ إلى التهلُكَةِ ) على اعتبارِ عمومِ اللفظِ بالإلقاءِ إلى التهلكةِ طلب الشهادةِ وهو الاستشهادُ لا يتناوله هذا النهيُ ، وهذا لا يكون إلا في مثلِ هذه الحالاتِ التي فيها غلبةُ الظنِّ أن يُقتَلَ الشخصُ وهو يعلمُ أنه سوف يُقتل ، فكما قلنا الحكمُ بالنسبةِ للمنتحرِ سواءٌ إذا قتلَ نفسَه بنفسِه أو طلبَ من غيره أن يقتلَه ، فهو في كلتا الحالتين منتحرٌ. وهذا سواءٌ قَتَلَ نفسَه بنفسه أو قتل نفسه بغيره فهو طالبٌ للشهادةِ .

أيضاً قصةٌ أحبُّ أن أضيفَها إلى كلامنا السابق في العمليات الاستشهادية ، وهي القصةُ التي حكاها سلمةُ بنُ الأكوعِ مع عامرٍ ، وهو عمٌّ لسلمة . ففي غزوةِ خيبرَ أراد عامرٌ أن يضربَ أحدَ المشركين فرجع السيفُ عليه فقطعَ أكحُلَه فمات ، فقال بعضُ الصحابة : قتل عامر نفسه قد حبطَ عملُه ، فجاء سلمةُ بنُ الأكوعِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه و سلم وهو متأثرٌ فقال : يا رسول الله ! قيل إن عامراً قتَلَ نفسه فحبَط عملُه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من قالَ هذا " ؟ قال : أصحابُك . قال : " كذبَ من قال هذا ، بل له أجرُه مرتين " .

وفي هذا بيانٌ للنظرِ إلى كيفيةِ القتلِ وليستِ العبرةُ فقط بحصولِ القتل ، فإن عامراً أرادَ أن يضربَ الكافرَ فجاء السيفُ عليه فقتله ، فلا يعتَبَرُ هذا قاتلاً لنفسِه ، وإنما الذي يُعتبر قاتلاً لنفسه الذي ورد فيه الحديثُ الآخرُ حينما رآه الصحابةُ لا يترك شاذّة ولا فاذّة للكفارِ وأبلى بلاءً حسناً ، فقالوا : ما أبلى أحدٌ مثلَ فلان ، فقال النبي عليه الصلاة و السلام : " هو في النار " ، فسمِعَه أحدُ الصحابةِ فقال : أنا صاحبُه ، يعني : لنْ يتركَه حتى يعرفَ كيف مع هذا الجهادِ والبلاءِ يكون في النارِ ، فيقولُ إنه أصيبَ واشتدَّتْ به الجراحُ فوضعَ نصلَ سيفِه بين ثَدْيَيْه واتَّكَأَ عليه فمات ، فقال : صدق رسولُ الله صلى الله عليه و سلم ، وجاء وأخبرَ النبيَّ عليه الصلاة و السلام بذلك فقال : " إن الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ الجنة حتى لا يكونَ بينها وبينَه ذراعٌ ، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهلِ النار فيدخل النار " . فهذا قد قَتَلَ نفسَه جَزَعاً وتخَلُّصاً من هذا الألمِ الذي يراه ، وهذا دليلٌ على عدم إيمانِه وعدمِ صدقِ جهادِه في سبيلِ الله .

والثاني وهو عامرٌ إنما جاءتْه الضربةُ من غيرِ قصدٍ منه أن يقتَل نفسَه ، ولكن كانتْ النتيجةُ أن قتلَ نفسَه ، فلا يؤاخذُ بذلك ، وإنما ذكرَ النبيُّ عليه الصلاة و السلام أن الصحابةَ أخطأوا بهذا الفهم وقال : " كذبَ من قالَ ذلك ، بل له أجران " . فالمقصودُ النيةُ وليستِ العبرةُ بحصولِ القتلِ .

ـ بقيتْ نقطةٌ هامة وهي : ما يترتَّبُ على ذلك ؟

هذا راجعٌ لاجتهادِ الشخصِ ونيتِهِ ، وكذلك الذي يرمي نفسَه في وسطِ العدوِ فيقاتِلُ حتى يُقتَلَ أو يَحمِلَ على العدوِّ قد لا يستفيدُ شيئاً ولا يقتلُ ولا رجلاً ، ويُقتَلُ هو ويُمزَّقُ بسيوفِ الأعداءِ ولا يكونُ قد قتلَ منهم أحداً إطلاقاً ، فهذا نفسُ الأمرِ ؛ الأولُ باتفاقِ السلفِ شَرَى نفسَه لله وهو من خيرِ الشهداءِ ، فالقيدُ بالنظرِ إلى النتائجِ لا عبرةَ له ولا قيمةَ له إطلاقاً ، فكذلك الذي يفجرُ نفسَه لو قُدِّرَ أنه لم يقتلْ أحداً فيكفي أنه أفزَعَ العدوَّ وأرعبَهم كما حصلَ من هذا الذي حملَ عليهم ، بل هذا الذي يُفجِّرُ نفسَه تأثيرُه أقوى بكثيرٍ جداً من الذي يحملُ على العدوِ كما هو مشاهدٌ ومعلومٌ .

ـ يلتحقُ بهذه النقطةِ مسألةُ أنه يترتَّبُ على ذلك أنهم يَهْدِمونَ كثيراً من البيوتِ ويقتلون كثيراً من الناس ، فنقول : لو أن هذا الشخصَ لم يقتلْ نفسَه بالمتفجراتِ وإنما أخذَ رشاشاً وأقدم على مغتصبَةٍ من مغتصباتِ اليهودِ وضربَهم وقتلَهم فسوف يفعلونَ نفسَ الأمرِ ، فهل يُقالُ إن فعلَه هذا غيرُ مشروعٍ ؟

عند بحثِ المسائلِ العلميةِ لا يُنظَر للملابساتِ الخارجيةِ ، فالملابساتُ الخارجيةُ قائمةٌ في العملِ المتفقِ عليه والعملِ المختلفِ فيه ، فالذي يقاتلُ بطريقةٍ متفقٍ عليها أيضاً اليهودُ يعاملونَه بنفس الأسلوبِ ، ثم هذا العقابُ لا بدَّ منه ، فلا يكون أبداً الحلُّ أننا سوفَ نستسلمُ لأنهم يهدِمون بيوتَنا ويقتلون أفرادَنا ، بالعكسِ هذا يجعلُنا نكثرُ مما نفعلُ لأن هذا الذي يفعلونه دليلٌ على تأثيرِ هذه العملياتِ تأثيراً عظيماً جداً فيهم .

وأختم الكلام في هذه المسألة أن أكثر العلماء المعاصرين على مشروعيتها ومنهم الشيخ ابن عثيمين واشترط أن يكون في ذلك نفع عظيم للإسلام والشيخ الألباني واشترط أن تكون بإذن القائد المسلم والشيخ الشعيبي ولم يشترط شيئا رحمهم الله جميعا ومن الأحياء القرضاوي والعلوان وناصر العمر وسلمان العودة وسعد البريك وغيرهم كثير من المملكة وأما من خارجها فيكاد أن يكون إجماعا خاصة من علماء فلسطين وأهل مكة أدرى بشعابها ، واطراح قول هؤلاء ممن يخالفهم وإهماله كارثة علمية ويخشى منها العجب وتزكية النفس .

وأعجب الفتاوى في ذلك قول مفتى مصر علي جمعة _ نسأل الله له الهداية _ وهي مسجلة صوتيا _ عندما سئل  العمليات الاستشهادية انتحار ؟
فكان جوابه : لا مش انتحار ، دي شهادة في سبيل الله ، والذي يقول أنها انتحار بنَصِفه بأنه حمار بدل ما نكفره ونخرجه عن ملة المسلمين فبنصفه إن هو حمار علشان يرجع ، لو صمم نكفره .

وما أجمل قصيدة الدكتور غازي القصيبي في هذه العمليات حيث قال في رثاء آيات الأخرس تقبلها الله في الشهداء :

يشـهـد الله أنكم شـهـداء
يشـهـد الأنبياء.. والأولياء
مـتم كي تعـز كلمة ربي
في ربـوع أعـزها الإسراء
انتـحرتم؟! نحن الذين انتـحرنا
بحـيـاة .. أمـواتـها الأحياء
إلى أن قال :
قل لـمن دبّجوا الفتاوى : رويـداً!
رب فـتـوى تضج منها الســماء
حـين يدعـو الجهاد.. يصمت حبر
ويـراع.. والكتبُ.. والفـقـهاء
حـين يدعـو الجـهاد..لا استفتاءُ
الفـتاوى، يوم الجـهـاد الـدمـاء.

نلاحظ أن الشيخ يبني كثيرا من الأحكام بالنظر إلى المصلحة والمفسدة فما رأيكم في ذلك ؟

قضية اعتبار المصلحة والمفسدة لاشك أنها معتبرة ولكن إطلاقها هكذا يجعلها هي ومسألة القدرة مصطلحات مطاطة الكل يمكنه أن يحتج بها ونقول هنا :

من الذي يقرر المصلحة والمفسدة والقدرة ؟
إذا قلنا العلماء مثلا فهل ينتظر إجماعهم على ذلك أم ماذا ؟
البعض الآن يقول : المصلحة في الاستسلام لأعداء الله الأمريكان .
والبعض الآخر يقول : بل المفسدة كل المفسدة في الاستسلام لأعداء الله الأمريكان .
فما الذي يحكم ذلك ؟؟؟ لاشك أن النصوص الشرعية المتكاثرة مع القول الثاني .
الشيخ يقول : لقد ترتب على أحداث الحادي عشر من سبتمبر مفاسد عظيمة .
وقد قرأت مقالا لبعضهم يذكر فيه الفوائد العظيمة التي نتجت عن هذا الحادث بغض النظر عن مشروعيته أو عدمها .
فهذه أقوال مطاطة يصلح أن يستخدمها كل أحد والعبرة بالأدلة الشرعية .

أما مسألة القدرة فالكلام فيها يطول والبعض يخلط فلا يفرق بين ضعف القدرة والعجز وعدم الاستطاعة
فمثلا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .
وقبل ذلك يقول تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم .
ويقول تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ..
فمعنى هذا أننا نقاتل عدونا حسب استطاعتنا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فنقاتلهم بكل ما نستطيعه ولو بالأحجار إن لم نستطع غيرها ولو بأيدينا ...

فيأتي البعض ويعكس الحكم ويخلطه بالعجز فيقول لا نقاتل عدونا ونستسلم له ونتركه يزني بأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وأزواجنا ويهدم مساجدنا ويمزق مصاحفنا ويلوط في أبنائنا ورجالنا ويقتل من شاء ويدمر ما شاء لأننا لا نملك طائرات وقنابل نووية ويتعلل بأننا لا نستطيع قتاله لأنه أقوى منا ونسي هذا الشخص العقيدة التي طالما نادينا بالتمسك بها والدعوة إليها وكانت هجيرانا صباح مساء

يحكى أنه قيل لبعض أتباع الملك عبد العزيز رحمه الله إن الإنجليز عندهم طائرات فقال : الطائرات فوق الله أم الله فوقها ؟؟؟؟؟

إن المؤمن يقاتل بإيمانه وبعمله الصالح والنصر من عند الله والأدلة كثيرة جدا ومتواترة ويكفي قوله تعالى : إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ؟
وقد اعتذر قوم طالوت بأنهم لا طاقة لهم بقتال جالوت وجنوده فقالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فماذا قال تعالى ؟
قال الذين يظنون _ أي يستيقنون _ أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .
وماذا كانت النتيجة : فهزموهم بإذن الله .

وكذا اعتذر قوم موسى بضعفهم أمام الجبارين عندما أمرهم بدخول القرية لعدم قدرتهم على قتالهم فماذا كان قول المؤمنين :
قال رجلان من الذين يخافون ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون .
وهل عذرهم الله في خوفهم من الجبارين ؟ لا بل عذبهم بالتيه كما هو معلوم .

وأمامنا صور كثيرة في الماضي والحاضر تؤكد زيف دعاوى القدرة :
فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بدر لديهم القدرة على مواجهة جيش جرار عدده ثلاثة أضعاف عددهم بعدده وعتاده والمسملون غير مجهزين أصلا لملاقاة هؤلاء وليس فيهم فارس إلا الزبير والمقداد ؟؟؟

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لديهم القدرة على مهاجمة أقوى قوتين في زمانهم الفرس والروم ومعلوم أن العرب كلهم لو اجتمعوا ما نظرت إليهم أمة من هاتين الأمتين إلا نظرة احتقار وازدراء لتفوقهم عليهم في جل النواحي .

هل كان أبو بكر الصديق لديه القدرة على محاربة العرب الذين ارتدوا قاطبة إلا مكة والمدينة والطائف وقلائل مع خروج جيش أسامة إلى الروم ؟؟؟

وهذه الأيام نرى كيف أن الأفغان الضعفاء الذي كانوا لا يملكون طائرة واحدة وكانوا مجموعة طلاب خرجوا على ولي أمرهم بعدما تأكدوا من عمالته للكافرين مع بعض البنادق والرشاشات فتمكنوا من هزيمة إحدى الدولتين اللتين يصفهما الناس بالعظميين وزلزلوا عروش الاتحاد السوفيتي حتى انهار بحمد الله على أيديهم وكان جميع العلماء يفتون بمشروعية هذا الجهاد وبدعمه فهل كانت لديهم القدرة أنذاك ثم نزعت هذه الأيام ؟؟؟

أبناء فلسطين حماهم الله أهل الرباط الذي وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على الحق ظاهرين يقاتلون لا يضرهم من خذلهم لا يملكون طائرة ولا مدفعا ولا دبابة وقد أذلوا اليهود وأعاشوهم في رعب وهلع دائم لا يعرفون للحياة طعما

ومن الأمور التي هي ديدن الأخبار والمقالات مسألة أسامة بن لادن الذي يطلبه العالم أجمع واتفقت جيوش الكفر على مطاردته ودمرت دول تعللا بهذا الهراء وقد مضت ثلاث سنوات ما ادخرت القوى العالمية شيئا يمكن أن يوصلهم إليه حيا أو ميتا إلا وبذلوه وما النتيجة ؟؟؟؟ يخرج لهم سليما معافى ليملي عليهم بعضا مما أراده وتضطرب الأمور وتختلف الموازين بمجرد هذه الإطلالة من هذا الرجل ال


الكاتب: الشيخ محمد طرهوني
التاريخ: 28/12/2006