الحكم الوضعي ابن العلمانية المدلل !

 

بسم الله الرحمن الرحيم


   العلاقة بين الحكم الوضعي والعلمانية  


الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد : 


فهذه سُلافة نقية في بحث الحاكمية ، جمعت فيها ما تفرق ، وقرّبت فيها ما تباعد ، وسهّلت فيها ما تصعّب ، مستعيناً بالله جل وعلا مستمداً منه الحول والقوة ، وهو المسؤول -تبارك وتعالى -  أن يُسدّد فيها رميي وأن يُخلّص فيها قصدي لوجهه الكريم .


وقد كتبتها تحت إلحاح الحاجة غيرَ ظانٍّ في نفسي فوق ما لها ، ولا مدعٍ  لها البراءة مما عليها . 


هذا والمُراد بهذه الرسالة الجمعُ بين إيجازِ العبارة ،  ولطفِ الإشارة ، والوفاءِ بالفكرة ، وعمقِ النظرة ، مع تحصيلِ المذاهب والمقالات واستيفاءِ الطرق والتوجهات ..  


وقد جعلتها في مقاماتٍ عدة كما يلي :

  
المقام الأول : تحرير موضع النزاع في حكم الحاكم بغير ما أنزل الله :  
اعلم - بوركت وهُديت  - أن الحكم بغير ما أنزل الله له صورتان كما يلي :  
الأولى : أن يكون الحكم بغير ما أنزل الله عارضاً ؛ في مسائل جزئية ،  في حوادث معينة ، دون أن يأخذ الحكم صفة الاستقرار ، ولا العموم ، ولا الاطِّراد ، ولا الإلزام العام .. والحكم في هذه الصورة - عند عامة الصحابة فمن بعدهم من أهل السنة  - أنه يُعتبر من جنس الذنوب التي لا يَكفُر مرتكبها بمجرَّدها ، ما لم يستحل المذنبُ ما حرّم الله صراحةً ، أو يشتمل فعله على ناقضٍ مستقلٍ في القول أو العمل ظاهراً أو باطناً ..وهذا معنى قولهم " كفر دون كفر " أي هو -بمجرّده - كفر دون الكفر المُخرج من الملة .. والأصل المستقر عند أهل السنة أن إطلاق لفظ الكفر في نصوص الوحي يرِد على معنيين

أحدهما : الكفر الأكبر المُخرج من الملة

وثانيهما: الكفر الأصغر الذي لا يَخرج مرتكبه من الملة بمجرده ما لم يقترن بما يوجب خروجه من الملة من اعتقادات وأعمال .


الصورة الثانية : الحكم بغير ما أنزل الله على وجه الاطّراد والعموم  والإلزام العام في كُلّيّات الشريعة التي تنتظم تحتها الحوادثُ بغير حصرٍ ،  كما هو حال ما يسمى اليوم "القوانين الوضعية " .. وهذه الصورة للعلماء المعاصرين فيها قولان إجمالا .. وهو ما سنوضّحه في المقام التالي .  
المقام الثاني : مذاهب الأئمة في هذه النازلة : وهي كما يلي : 
المذهب الأول : أن الحكم بغير ما أنزل في هذه الصورة - القوانين الوضعية - من الكفر الأكبر المستبين - حسب تعبير الشيخ ابن ابراهيم -  الذي لا يشك مسلم في ردة فاعله - حسب تعبير الشيخ محمود شاكر- بل هو أقبح وأشد من كفر الجاهلية الأولى - حسب تعبيرٍ الشيخ عبدالرحمن الدوسري - .. وحاصل أقوالهم أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر بمجرده ولا يتوقف التكفير به على اعتقاد باطن - كالاستحلال وتنقص الشريعة  - ..وهذا مذهب جماهير المعاصرين من علماء المسلمين .. واحتجوا لمذهبهم بظواهر النصوص المعلومة في هذا الباب كقوله تعالى " فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحَكّموك فيما شجَرَ بينهم " الآيةَ .. وساعدهم على اعتمادِ هذه الظواهر أمران :
أولهما : مباينةُ هذه الصورة لما تكلم عليه السلف - مما عاصروه أو تصوروه -  في جوانب عديدة  ..واشتمالُ هذه الصورة على فوارق مؤثرة في الحكم كالاطّراد والتعميم والإلزام وكونها في الكُليّات دون الجُزئيّات.. 
ثانيهما : اشتمال هذه الصورة على مناطاتٍ مستقلة في التكفير كالتّشريع مع الله - تعالى وتقدّس - ، والإعراض عن الشريعة ، والمشابهة الخالصة للكفار في خصائصهم الثقافية .. 
ومما يدعم هذا القول الإجماع الذي ذكره ابن كثير في ( البداية ) في كفر من ترك حكم الله وتحاكم لغيره.. فعموم لفظه ، ومناطه الملحوظ في حكمه ، يتناولان هذه الصورة ..   
المذهب الثاني : أنه كفر أصغر ما لم  يصدر عن استحلالٍ أو تنقّصٍ للشريعة .. ولأهل هذه المقالة مأخذان :  
المأخذ الأول : اعتبار الحكم بغير ما أنزل الله في هذه الصورة من جنس الذنوب التي لا يَكْفر المذنبُ بمجرّدها .. إلحاقاً لهذه الصورة الحادثة بالصورة الأولى التي عاصرها السلف وقضوا فيها بما تقدم ذكره في المقام الأول من كون هذا الفعل كفرا أصغر .
المأخذ الثاني : البناء على أصول المرجئة في حصرِ الكفرِ في جانب الاعتقاد .. وهذه لوثة إرجائية - نسأل الله العافية - لا ينبغي لسني الاعتداد بها فضلا عن اعتمادها .. 
المقام الثالث : تنزيل المذاهب على الواقع ..كما يلي :  
أولا : تحقيق مناط المذهب الأول : من اعتبر هذه الصورة من الردة السافرة والكفر الأكبر المستبين فمذهبه في التنزيل واضح ..غير أن المستقر عند أهل السنة أن تكفير النوع لا يستلزم تكفير المعين إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع .
ثانيا : تحقيق مناط المذهب الثاني - وهم من اعتبر هذه الصورة - القوانين الوضعية - من جنس الذنوب  : فلهؤلاء و من تابعهم اتجاهان  رئيسان :  


الاتجاه الأول : اعتبار الحُكّام - في هذه الصورة - فسقة من فساق المسلمين وظلمة في فعلهم  الذي فعلوا .. وليسوا بخارجين عن الإسلام لعدم تلبسهم بناقضٍ مستقل .. 


الاتجاه الثاني : من يرى أن الحكام كفروا الكفر الأكبر وذلك لأحد اعتبارين - بحسب ما تحتمله مقالاتهم المجملة الموجزة - 


الاعتبار الأول : اعتبار قرينة العدول عن الشريعة إلى القانون الوضعي من غير إكراه معتد به .. فهذه قرينة على ناقض اعتقادي إما الاستحلال وإما تنقص الشريعة وإما مجموع الأمرين ..والاعتداد بالقرينة الظاهرة على الكفر الباطن مرتبط بمسألة تلازم الظاهر والباطن

ولأهل السنة فيها قاعدتان 


الأولى : تقرير تلازم الظاهر والباطن  


الثانية : اعتبار مناط الكفر بحسب ما دل عليه الدليل إن كان ظاهرا فظاهر وإن كان باطنا فباطن .. فيكون تقرير الكفر الباطن في النواقض الجوارحية بعد ثبوت الكفر ظاهرا-  بدلالة الشرع - تابعا لا متبوعا ..ويكون ذكره من باب تقرير الواقع لا من باب تحقيق المناط .. وبناء على هاتين القاعدتين يظهر أن اعتبار القرائن الظاهرة للاستدلال على الكفر الباطن الذي هو مناط التكفير عندهم فيه بعض النظر .. إذ الأصل مراعاة الظاهر واعتبار الباطن تبعا لا العكس .. لكن قوة القرينة هنا جعلتهم يعملون على خلاف الأصل سيما وهي قرائن كثيرة ودلالتها على الزندقة في الباطن تكاد تكون قطعية ..وهذا بخلاف من عد الحكم بالقوانين الوضعية من الردة الظاهرة فليس بحاجة إلى القرائن الدالة على الباطن .. فهو على أصله في الاعتداد بالظواهر واعتبار البواطن تابعة لها في هذه الصورة ..
  الاعتبار الثاني :اعتبار القرائن القولية والفعلية المبثوثة في سير الحكام الطويلة المظلمة .. لا سيما وفي عبارات الكثير منهم من إقرار الكفر والثناء على أهله وتزيينه ما هو ردة بالإجماع لكنهم يطلقون ما في نفوسهم من ضلال بعبارات يكسوها الإجمال ويخفف وطأتها الاحتمال .. على أن من اشتغل بتتبع تصريحات الحكام في مختلف الوقائع لن يعدم كفرا صريحا فيها ! 


ولعل اعتبار الأمرين - العدول عن الشريعة مع القرائن المحتفة به قولا وعملا - مراد لهم..  


  هذه محصلة أقوال العلماء .. والأقرب للواقع المعاصر معاملة هذه النازلة كحالةٍ خاصة تتجاوز محل النزاع .. .. وذلك أن الحكم بغير ما أنزل الله بالقوانين المجردة عن التغطية الفكرية لا يكاد يوجد.. وبالتالي - وبوجود التغطية الفكرية الصريحة - تصبح هذه الصورة خارجة عن محل النزاع إذ الفرض في الخلاف أن محله الحكم بغير ما أنزل الله مجردا عن الاعتقاد والفكر والثقافة الحاضنة والمفاهيم الراعية والتبريرات المثقلة باستحلال الجريمة وتنقص الشريعة .. وبالتالي فالخلاف في رأيي خلاف نظري لا يتنزل على الواقع وليس له أثر فيه .. والصورة الواقعة اليوم هي حالة خاصة مركبة من عدة نواقض اعتقادية وقولية وعملية فهي كفر صريح على جميع الأقوال وبجميع الاعتبارات والمناطات والمآخذ ... بل إن الحكم بغير ما أنزل الله كسلوك ليس إلا ثمرة من ثمرات العلمانية ذلك المفهوم المتجذر في الكفر المتخم بالنواقض المستلزم لما لا يُعد من وجوه الردة في القول والعمل بل إن العلمانية في أقرب تفسيراتها وأدنى مستوياتها تتضمن نواقض كلية - كقصر عموم الخطاب وسلب الشريعة خصائص الشمول والإلزام والكمال  - .. وبالتالي فلا معنى للنزاع حول سلوك مجرد ليس له وجود في الخارج وإنما يقدره الذهن تقديرا افتراضيا ..

 
المقام الرابع : التعاطي مع الواقع : تعددت مناحي التجمعات الإصلاحية والتوجهات التثقيفية في طريقة التعاطي مع هذا الواقع المر فنتج عن ذلك ستة اتجاهات - من حيث الجملة -كما يلي :

 
الاتجاه الأول : اتجاه الاندماج والمداهنة والارتماء المهين تحت أقدام الأنظمة العلمانية وإضفاء الشرعية المحضة على محض الكفر ! 


 الاتجاه الثاني : اتجاه التقية وذلك بدفع الضرر المتحقق بالموافقة الظاهرة إجمالا .. وتصور هذا في الفرد المعين تحت سلطان الإكراه متجه ، بخلاف الجماعة العامة .  


الاتجاه الثالث : المداراة وذلك بترك إعلان المخالفة دون إظهار الموافقة دفعا للضرر المتحقق ..وهذا مما تستوعبه الحكمة إذا قام مقتضيه .. وأحوال الدول ليست على درجة واحدة في الظلم والقهر والقسر . 


الاتجاه الرابع : اتجاه المكاشفة وذلك بإظهار المخالفة الصريحة دون التورط بصراع غير متكافئ الطرفين ..وهذا الموافق لمقتضى الشرع والحكمة .

  
 الاتجاه الخامس : اتجاه المصادمة وذلك بإظهار المخالفة المعلنة مصحوبة باستخدام القوة ..وهذا المسلك يغلب عليه مجافاة الحكمة ، ومضادة المقاصد الشرعية .


الاتجاه السادس : اتجاه العزلة وذلك باعتزال المجتمع كنوع من البراءة بحسب مقدور المكلف في حالة الضعف العامة .. وهذا يصلح كمسلك فردي لمن احتاجه ، أما أن يكون توجها عاما ففيه نظر ظاهر .. 


 المقام الخامس : مستويات تأثير التوجهات  المنحرفة المختلفة على الوعي العام :   
 المستوى الأول. : التزيين : وذلك بتزيين الحكم الباطل والترويج له كسلعة إسلامية شديدة النقاء والأصالة !  

 
  المستوى الثاني : التسويغ وذلك بجعل الحكم بغير ما أنزل الله من جنس الاجتهادات السائغة والمقالات المعتبرة في الفقه الإسلامي ! 

 
 المستوى الثالث : الإقرار والإعذار وذلك بإيجاد مختلف الأعذار - مهما كانت ساذجة وغبية - لإقرار الأنظمة على حالها والتعاطي معها كأنظمة ذات شرعية على نحو ما ..  


 المستوى الرابع : التهوين وذلك باعتبار هذا الوضع الماثل من جنس ظلم الظالمين من حكام المسلمين في عصور ما قبل سقوط الخلافة ..وإعطاء " الشرعية القهرية " لهذه النظم !  


وهذه المستويات كلها تتفق في طرفين : أحدهما : ترسيخ الظلم والاستبداد تحت عناوين شرعية محَرفة ومبررات علمية مزيفة.  

 
الثاني : التواطؤ الغريب على إغفال جوهر هذه النظم الوضعية وهو العلمنة الخالصة الصريحة المنتشرة في كل فرع من فروع الحياة المعاصرة .. والحديث عن الحكم بغير ما أنزل الله بصورته البسيطة المجردة ! وهذا دائر بين الغفلة والتغافل والاستغفال .


 المقام السادس : ظواهر متولدة في هذه الظروف المتعسرة : 


 الظاهرة الأولى : تضليل الاهتمام العام عن القضية المحورية المتعلقة بالنظم الحاكمة وأخذها بعيدا في مسائل جزئية واجتهادات فقهية على هامش القضية الأم قضية معاندة الشريعة ومحاربة التدين من حيث هو بصرف النظر عن محتواه العقائدي ووجهته الحركية . الظاهرة الثانية : تغييب الوعي وذلك بتسويق الجهل بالواقع والترغيب بهذا الجهل تحت مبررات دينية مبتدعة ومتكلفة بل ربما تكون مصنوعة تحت الطلب !

 
 الظاهرة الثالثة : التنفير من الحق وذلك بأحد الطرفين إما بالتفريط المتمثل في تبني المقالات التي تُسهم في تعبيد ضمير الأمة لمن يسومها سوء العذاب تحت مفاهيم شرعية كطاعة ولي الأمر واحتساب الأجر في الصبر على جوره بل وإيجاب محبته -رغم ذلك - والدعوة للثقة به وائتمانه على مصالحها وثرواتها ..مما يجعل الأمة في حيرة بين مقتضى فطرتها - من الحفاظ على حريتها والحرص على كرامتها - وبين ما ينسبه هؤلاء - زورا- لدينها وعقيدتها .. والواقع أن الشريعة القويمة لا تناقض الفطرة السليمة . 


 وإما بالإفراط المتمثل بزج الأمة في معارك دامية مع النظم الباطشة المستبدة المتمكنة  ..في حين تفقد الشعوب أدنى مقومات القوة والمنعة .. وهذه محرقة لطاقات الأمة ومتلفة لجهودها بلا طائل .. ولنا في التاريخ القريب عِبر وعِظات .

  
المقام السابع : آثار الحكومات العلمانية على الحالة الدينية للأمة :

 
أولا :   تحريف العقيدة وذلك بملأ المصادر الثقافية والتعليمية بالمفاهيم الأجنبية والبدع الفكرية .. مع ولعٍ لا تنطفئ جذوته بمناقشة الثوابت والتشكيك بالمسلمات .. واستقدام حيرة الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين عبر قنوات التعليم ووسائل الإعلام .  


ثانيا :  تغيير الهوية وذلك من خلال استبدال الألفاظ الشرعية والمصطلحات المستقرة في الشريعة بلغة جديدة ظاهرها اللسان العربي وباطنها الفكر الغربي .. وتحويل مظاهر الأمة العامة إلى مظاهر وطنية خاصة في الأعلام والأعياد والفرق الكروية والتنافس الفني السخيف .. وتحويل وجهة التكريم إلى الرموز الوطنية والعالمية مما هو أخص من الإسلام أو أعم .. وإناطة المدح والولاء والمحبة بمعايير منفصلة عن التدين والتقوى .. وجعل العناوين العامة للروابط بين المسلمين عناوين قومية أو وطنية تذوب فيها حقيقة الدين وتغيب عنها حاسة الحب في الله والبغض في الله .. ناهيك عن محاصرة لغة القرآن ومحاربة الحجاب والثوب القصير واللحية .. محاربة حسية ومعنوية ..  


ثالثا :   ردم العمق الثقافي وذلك بأربعة أمور

أولها : إعادة تأريخ التاريخ  بحدوث الانقلاب على الدين مما يسمى بيوم الاستقلال وجعل هذا التاريخ الأسود هو بداية عصر النهضة والازدهار .. وتلميع أبطال تلك الثورات والغرق في سيرهم والتعلق المرَضيّ بصورهم وأسمائهم حتى كأن بداية التاريخ كانت بولادتهم ! ..

وثانيها : هدم كل عتيق لهذه الأمة وإلغاء تراث الأمة وإسقاط سِيَر خيرة الأمة من ذاكرة الجيل واستبدالها بسير نجوم الفن والطرب واللهو والكرة والشعر الشعبي والموضة والأزياء وسباق الرالي.... الخ ..

 ثالثها : تسخيف القيم العربية الإسلامية وتحقير اللسان العربي الذي نزل به القرآن  وربط الفضيلة ومفهوم الأسرة المتكاملة بالبداوة الجافية وشراسة الإنسان البدائي - حسب روايتهم للتاريخ - ..

 رابعها : تسويق الانهزامية أمام ثقافة الغرب.. ولغة الغرب.. والرواية الغربية ..والشعر الغربي.. والأغنية الغربية ..والفيلم الغربي ..والزي الغربي.. والعادة الغربية حتى لو كانت اقتناء كلب نجس!  


رابعا :  عزل الضمير الديني وذلك بنشر الشهوات التي تكسو القلب بالرين فتعطله عن أجل أعماله وأشرف اهتماماته .. وكذا نشر الشبهات التي تأخذ الضمير بعيدا عن الحق وتجعله أسيرا ذليلا للتسميات الموجهة سياسيا وعقائديا بما ينسجم مع مناخ العلمنة العام.. وتحت ركام الشهوات والشبهات لا ينهض القلب لصرخة مسلمة تُغتصب ولا يكترث الضمير بطفل تُغتال براءته .. ويصبح الشاب الذي تناط الآمال به عبدا حقيرا لشهوته ومملوكا مقيدا بشبهته ..  


خامسا : عرقلة الأنشطة الإصلاحية التي تصب في مصلحة الجيل وتساهم في توعيته وتنشأته نشأة إسلامية .. ومدافعتها بمختلف الحجج والذرائع مهما كانت واهية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .. 


سادسا : تعويق المشاريع الإسلامية الجادة .. وتقييد حركتها بأصفاد القوانين وأغلال النظم مما يؤول بالعمل الإسلامي إلى أحد الطريقين إما مواكبة توجه الدولة وموافقة أغراضها وخدمة سياستها وإما الفناء .

 
سابعا : تشويه الحق وأهله .. بالهمز واللمز .. والاتهامات الزائفة .. وإطلاق الألقاب المنفِّرة .. والأخبار المكذوبة .. والقصص الملفقة .. والسخرية الصريحة ..   


ثامنا : تجفيف منابع الدين .. بمحاربة الكتاب الإسلامي .. والبرنامج الإسلامي .. والصحيفة الإسلامية .. والمعهد الإسلامي .. والقناة الإسلامية .. والعالم الراسخ في دين الإسلام .. وكذا كل ما يمد المسلمين بالمعلومة الصحيحة.. ويكسبهم الاهتمام الجاد .. ويدفعهم باتجاه التغيير .. أو يحول بينهم وبين التغريب ..  

المقام الثامن : سلوكيات للأنظمة العلمانية ذات دلالة عميقة لا على كفرها فحسب بل وعلى تطرفها في الكفر ..  


السلوك الأول : الانحياز السافر للطرف المناوئ للإسلام .. أيا كان هذا الطرف ! .. فالمنافقون والمرتدون والكفار الأصليون هم الحاشية والبطانة وهم الأصدقاء والحلفاء .. والعدو - من كل ملة - هو الشريك في العملية السياسية والقرار العسكري والإجراء الأمني وهو المستثمر الأجنبي والخبير الاقتصادي والمستشار القانوني .. وكل شيء ! 


السلوك الثاني : تقليص دور المؤسسات الإسلامية في كل المجالات .. ووضع أرصدتها وأنشطتها تحت المراقبة الدقيقة اليقظة !

  
السلوك الثالث : فصل العملية التعليمية الرسمية عن العلم الشرعي الموروث .. فالعلم الشرعي يُزاحم من جهة ويُختزل من جهة ويُحرف من جهة ويُهمش من جهة .. فلا تكاد تظهر آثاره الحميدة على الجيل الجديد .. فأي جيل ينتظره الآباء والأمهات في ظل هذا العبث المشين بمناهج التعليم ؟ 


السلوك الرابع : استهداف الرموز والقدوات بالسجن والقتل والنفي وكل ما يمكن من وأد دعوتهم وإطفاء نورهم ..  


السلوك الخامس : وضع الخطاب الإسلامي تحت السيطرة .. وإخضاعه بالقوة أو الحيلة لمواكبة المزاج السياسي للدولة ..وآية ذلك أن يتقبل المفاهيم المناقضة لأصوله والمفردات الغريبة عن مصادره .. فيلهج الخطيب والواعظ والمعلم بحوار الأديان وأخوة الأوطان  وإدانة الإرهاب بكل ما في هذا اللفظ من إبهام وإيهام .. والقائمة طويلة .  


السلوك السادس : تشريع القوانين الخادمة لفكرة عزل الدين عن مجالات الحياة الحيوية .. حتى بلغ الكفر في إحدى الدول أن تسن القوانين في تجريم الحجاب ! ومنع تعدد الزوجات ! ..  


المقام التاسع : مكر الدولة الحديثة أكبر من قدرات المدارس التقليدية النائمة .. 
 فمن مكرهم احتواء الدين كشكليات وبروتوكولات في داخل كيان الدولة .. لئلا تبدو سوأتها وتنكشف عورتها ..

  
ومن مكرهم انتخاب المعممين بحسب ما يراد منهم لا بحسب الأهلية العلمية.. ثم استخدامهم في تسويق سِلع الدولة بأغلفة إسلامية ..

  
ومن مكرهم عدم استفزاز العامة بما يوقظ الفطرة وينبه الفكرة إلى حقيقة المشروع العلماني.. 


ومن مكرهم التدرج في تحويل المجتمع من التدين إلى العلمنة.. فالمطالب تبدأ صغيرة ومحتَملة ثم تتطور حتى تمس جوهر الدين وأصل الرسالة ..

 
ومن مكرهم استثمار الثغرات في الصراعات المذهبية داخل الساحة الدينية.. 
ومن مكرهم استغلال الأخطاء الواقعة على هامش المشاريع الإسلامية في ضرب المشاريع ذاتها واصطناع المبررات لإجهاضها.. 


ومن مكرهم الكُبار اللعب بورقة المرأة في معركتهم الشرسة ضد الدين .. 
ومن مكرهم الترويج للباطل بأنواع  الحيل اللفظية والعقلية من خلال وسائل الإعلام الخبيثة .. وقد استأجروا بأموال المسلمين التي نهبوها منهم أدهى العقول وأمهر الألسن نفاقا وخداعا وتضليلا ..

  
المقام العاشر : مآل هذه الأنظمة الكفر السافر الصريح  في كل المذاهب المتبوعة والشاذة والمهجورة .. وما لا يُستدرك اليوم فاستدراكه وإصلاحه مستقبلا أعسر وأصعب إلا بحول من الله وقوة .. فينبغي مسابقة هذه الأنظمة في الإصلاح قبل أن تُفسد أكثر مما أفسدت ..  


المقام الحادي عشر : الوعي الصحيح آخر أسلحة المصلحين .. والتفريط فيه بمثابة التولي يوم الزحف .. 


وأخيرا : خلاصة الأمر أن العلمانية بأهدافها الخبيثة  ووسائلها الرخيصة وبآلتها الإعلامية الرهيبة وذراعها الأمني الباطش وتحالفاتها المريبة تعتبر الخطر الأول على الإسلام والمسلمين في الوقت الراهن .. وهي أوسع مدى وأعمق جذورا وأبعد هدفا من مجرد الحكم بغير ما أنزل الله بصورتها المبحوثة عند كثير المعاصرين .. اللهم بلغت اللهم فاشهد .. وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه .. والحمد لله رب العالمين


الكاتب: حسين الخالدي
التاريخ: 14/01/2011