الانسحاب من غزة .. قراءة في أوراق صهيونية.

 

   الانسحاب من غزة .. قراءة في أوراق صهيونية

 

باستعراض واقع الكيان الصهيوني تتبدى العديد من الإشكالات والتي تكاد تكون عقداً مستعصية على الحل داخل المجتمع الإسرائيلي وتعبر عن عمق هذه الإشكالات والتحديات تصريحات العديد من المسئولين والمحللين العسكريين الإسرائيليين وبالنظر إلى هذه المعطيات الواقعية نستطيع أن نجزم بأن الانسحاب 'الإسرائيلي' من غزة والمسمى بخطة " فك الارتباط" هو خطوة من خطوات حل هذه المعضلات ومحاولة لترتيب الأوضاع في غزة' قبل تسليمها كتكتيك جزئي لتحقيق استراتيجية شارون في إدارة الصراع كما أنه لن يكون أبداً مثل الانسحاب من جنوب لبنان 'مايو 2000' وإنما هو مناورة 'إسرائيلية' جديدة لتحقيق مآرب معينة وليس للسلام ولا للتسوية, خاصة أنه لا يمكن فصل هذه الخطوة عن سياقها فقد جاءت مباشرة بعد انتهاء أعتى حملة عسكرية شنتها إسرائيل على الفلسطينيين منذ عام 1967م –وهي حملة الجدار الواقي- كما انه أتبعها مباشرة حملة الاغتيالات الكبرى لقادة وكوادر فصائل المقاومة الفلسطينية؟ كما لا يمكن فصل هذه الخطة عما يدبره الحلف الأمريكي الصهيوني لمنطقتنا خاصة بعد احتلال العراق بما يشكله من تغيير لمعادلات وإحداثيات الواقع.

ويدعم هذه النظرة التصريحات 'الإسرائيلية' المتكررة حتى الإملال -في مرحلة ما قبل أبي مازن- أن هذه الخطة  ثلاثية بين إسرائيل وأمريكا ومصر فقط مع عدم اعتبار الطرف الفلسطيني! بينما هو اللاعب الأهم وصاحب القضية, كما كانت هذه التصريحات تعني أن عرفات قد استنفد دوره ولن تتم مفاوضات في وجوده وهو ما يرجح فرضية إقصائه إذ أن الانسحاب لن يتم بدون مفاوضات تستفيد منها إسرائيل أكبر استفادة ممكنة.

أولاً: الانسحاب ضرورة تحتمها معضلات إسرائيل:

تعانى إسرائيل من مشاكل حقيقية لا نبالغ إذا قلنا أنها تهدد المشروع الصهيوني بالكلية ومن أهم هذه المشاكل الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة وما نتج عنها من إعادة تشكيل خريطة الصراع كما لا يخلو الشأن الداخلي الإسرائيلي من إشكالات خطيرة لعل من أهمها ارتفاع نسبة البطالة الناتج عن تردي الوضع الاقتصادي وضعف الانتماء لدولة إسرائيل وما نشأ عنه من هجرة عكسية خاصة في أوساط النخب السياسية والحزبية والأوساط الحاكمة بل والزعامات الدينية.

ومن الأهمية بمكان أن نعرف بشيء من التفصيل أهم الإشكالات الإسرائيلية والتي تنعكس بالضرورة على أي خطوة عملية على الأرض, وليس الهدف -بطبيعة الحال- هو استعراض كل المشاكل الإسرائيلية الداخلية منها والخارجية وإنما المراد هنا هو إلقاء الضوء على أهم هذه الإشكالات وما يتعلق منها بشكل مباشر أو غير مباشر بقضية الانسحاب أو خطة فك الارتباط.

 

المشكلات الداخلية

 

1- مشكلة الكثافة السكانية والتوزيع الديموجرافي:

برزت في السنوات الأخيرة مشكلة الكثافة السكانية والتوزيع الديموجرافي وهي مشكلة لا يستهان بها خاصة أنها  مرشحة للتفاقم, بل لا نبالغ إذا قلنا أنها من أخطر المشاكل التي تهدد مشروع توطين يهود العالم في أرض فلسطين وبالتالي حلم الوطن الكبير من النيل إلى الفرات، الذي تقلص -رغماً عن الصهيونية العالمية- إلى محاولة الحفاظ فقط على أرض فلسطين بعد التهديد الوجودي الذي مثلته الانتفاضة التي ضربت ولأول مرة في العمق الإسرائيلي, خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي المخزي من جنوب لبنان وكان الظن أن يساهم الاحتلال الأمريكي للعراق في حل الأزمة باعتبارها جزء مهم من أرض الميعاد المزعومة ولكن يبدو أن المقاومة الباسلة بقيادة القوى الإسلامية الفاعلة في العراق قد عطلت هذا المشروع إن لم تكن قد هددته بالتدمير الكامل في حال هزيمة أمريكا هناك بإذن الله وهو ما نراه قريباً ويرونه بعيداً.

 ويجدر بالذكر أن معظم الدراسات الصهيونية تتوقع أنه إذا لم تتطور الحرب على العراق إلى العدوان على دول أخرى فربما تجد إسرائيل نفسها مطالبة باستحقاقات متعلقة بالأرض كما حدث بعد حرب الخليج الثانية على الأقل كنوع من الترضية لضمان استمرار الدعم العربي للحملة الأمريكية على المنطقة.

وفي هذا السياق كشفت [هآرتس] عن دراسة أعدها البروفسور أرنون سوفر ([1]) تنادي بحتمية الفصل أحادي الجانب بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعنوان: [ديموغرافية إسرائيل]، وحذر فيها من أن إسرائيل ستزول عن الخارطة في سنة 2020م عندما يعيش 40 % من اليهود و 60% من العرب بين نهر الأردن والبحر ليدعي بأن الفصل هو الحل، وذلك بإبقاء 30% إلى 40% من الضفة الغربية بيد إسرائيل مع الاحتفاظ بغور الأردن والقدس كاملة, ولكنه دعا إلى إخلاء 35 مستوطنة معزولة مثل غوش إيمونيم وآلون موريه وغيرهما وتعويض المستوطنين عن طريق ما سماه تبادل المناطق, وذكر الكاتب أن هذه الفكرة تلقى تأييداً من واشنطن.

ومن المهم هنا أن ننقل هذا التحليل للدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة "بيرزيت" الفلسطينية وهو تحليل مكمل لنتائج دراسة أرنون سوفر السابقة نهديهما معاً لصناع القرار العرب والمفاوض الفلسطيني والمشككين في الانتفاضة مع أننا نظن أن ما جاء فيهما لا يخفى على كثير منهم, يقول د.الجرباوي: "إن تحليل طبيعة المجتمع الصهيوني وتوجهاته تقودنا إلى نتيجة قد تبدو غريبة للبعض هي أن مصلحة إسرائيل الاستراتيجية تكمن في إقامة دولة فلسطينية على 20% من أرض فلسطين التاريخية, وإذا أردنا ان نقوض الكيان الصهيوني فذلك يكون من خلال عدم إقامة الدولة الفلسطينية, الهاجس الديموجرافي يتحكم في الصراع وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الفلسطينيين سيصبحون في المستقبل القريب أغلبية تذوب معها دعائم المشروع الصهيوني".

ويتضح من دراسة التركيبة السكانية لإسرائيل أن أرض فلسطين المباركة تنقسم إلى 36 إقليماً طبيعياً ويعيش أكثر من 80% من اليهود في 10أقاليم منها فقط على مساحة تقدر بـ 2458 كيلو متر مربع أي 12.1%  من مجمل مساحة فلسطين بينما يعيش بقية السكان اليهود في المدن.

والعجيب أن هذه المساحة لم تزد إلا 841 كيلومتر مربع فقط عن المساحة التي تملكها اليهود غصباً أبان الاحتلال البريطاني في أرض ما قبل 1948م, مما يستدعي إلى الأذهان تاريخ المنبوذية والخوف من الأغيار الذي يدفع اليهود دائماً للإيواء إلى الجيتو الضيق! كما لا يزال معظم هؤلاء يعملون في الحرف الأصلية والتاريخية لليهود كالمال والتجارة بكل أنواعها المشروعة وغير المشروعة والصناعات الدقيقة كالذهب وغيرها بينما لم يحترف الزراعة منهم إلا أعداد محدودة جداً فالذين جاء الله بهم من البدو لم يكن لهم أن يحترفوا الزراعة!

 وبالمقابل يعيش الفلسطينيون في بقية الأقاليم أي 26 إقليماً من أرض فلسطين المباركة يحترف كثير منهم الزراعة ولا يتمكنون من السكنى في بقية الأقاليم بسبب ظروف الحكم العسكري الإسرائيلي الجائر هذا غير المهجرين في الخارج والذين يبلغ عددهم أكثر من أربعة ملايين لاجيء فلسطيني تم طردهم من أكثر من 530 مدينة وقرية منذ قيام إسرائيل عام 1948م.

وتشير الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي في نهاية عام 2000م، إلى أن مجموع سكان إسرائيل ارتفع من 801 ألف نسمة، منهم 650 ألف يهودي في عام 1948م، إلى 5927400 نسمة أي ما يقارب الستة ملايين في نهاية عام 1998م، بزيادة مقدارها 7.4 ضعف، وأن الكثافة السكانية بلغت 256 نسمة في كل كيلو متر مربع، وهي كثافة عالية مقارنة مع معدلات الكثافة العالمية، وتشير المجموعة الإحصائية الإسرائيلية إلى ارتفاع كثافة السكان في نهاية العام 2000م إلى 6.3 مليون نسمة منهم 5.2 مليون من اليهود يشكلون 82.5% والعرب 17.5%.

و يتوقع مكتب الإحصاء الإسرائيلي أن يصل مجموع سكان إسرائيل في هذا العام 2005م إلى 7 ملايين منهم نحو 5.3 يهودي، وفي عام 2010م سيصل حسب نفس المصدر إلى 7.5 مليون نسمة.

إضافة إلى ذلك توقعت دراسة صادرة عن الجامعة العبرية في القدس أن يتكدس معظم اليهود في العالم في فلسطين خلال العشرين سنة القادمة، ويذكر أن هذه الدراسة قدرت عدد اليهود في العالم بحوالي 13 مليون يهودي خارج  إسرائيل!.

وتوجد نفس مشكلة التوزيع الديموغرافي هذه في القدس التي يطمح اليهود في السيطرة الكاملة عليها! فقد بينت آخر الدراسات الصهيونية أن نسبة العرب في القدس حوالي 35%، وهذا يخالف السياسة الصهيونية المتبعة منذ عام 1973، والتي حددت نسبة للعرب في القدس لا تتجاوز 22%, غير أن هذا لم يحدث بسبب زيادة معدلات المواليد العرب بشدة عنها في اليهود.

 

2- مشكلة الهجرة العكسية

تنتشر ظاهرة خطيرة في إسرائيل اليوم تكاد تهدد الحلم الإسرائيلي ألا وهي ضعف الانتماء في المجتمع الإسرائيلي الذي لم يعتد أبناؤه إلا الشتات ولم تفلح كل المحاولات اليائسة لغرس معنى الوطن فيهم حتى ولو كان في أرض الميعاد! حيث  يشير تقرير الوكالة اليهودية للهجرة إلى أن حوالي 20% من الشعب الإسرائيلي يرغب في الهجرة إلى الخارج ويؤكد الإحصاء السنوي الصادر عن إدارة الاستيعاب رغبة 17% منهم في الهجرة إلى أمريكا.

وتفشو هذه الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي عامة لكنها تتركز بصفة خاصة داخل أوساط النخب الحاكمة والسياسيين والوزراء -وأغلبهم من اليهود الغربيين كما هو معلوم- حيث تسهل أوضاع هؤلاء المادية وعلاقاتهم السياسية والاجتماعية مسألة الهجرة من إسرائيل إلى أوربا وأمريكا بحثاً عن الأمان المفقود. وقد هاجر إلى أمريكا نهائياً أكثر من نصف مليون يهودي إسرائيلي بينما يبلغ عدد المهاجرين إلى كندا تسعة آلاف ويوجد في أستراليا جالية يهودية ضخمة ومؤثرة تتركز في مدينتي سيدني وملبورن الرئيسيتين كذلك يتجه المهاجرون إلى إنجلترا, فرنسا, ألمانيا على الترتيب.

وبهذا يبلغ تعداد مجمل المهاجرين عكسياً من إسرائيل في العقود الثلاثة الأخيرة أكثر من ثلاثة أرباع المليون وهي نسبة هائلة إذا ما قورنت بعدد السكان الذي يراوح حول الستة ملايين نسمة!

وحسب صحيفة معاريف وعلى سبيل المثال لا الحصر هاجر إلى أمريكا من أبناء مشاهير السياسيين كل من: أخت (شارون), ابن وشقيق (داليا رابين) نائبة وزير الدفاع في حكومة باراك, (إيهود أولمرت) نائب شارون ووزير الصناعة والتجارة السابق, ابن (روبي ريبلين) رئيس الكنيست، ابن (عوزي لانداو) عضو الكنيست عن الليكود, كل أبناء وزير شئون الجاليات اليهودية (ناتان شيرانسكي) الروسي الأصل, شقيقة وأقرباء (روحما أبراهام) عضو الكنيست عن حزب الليكود.

كما هاجرت إلى بريطانيا ابنة (نسيم دهان) عضو الكنيست عن حزب شاس الذي كان رئيسه يتباهى بعدم هجرة أي من المنتمين له على صفحات الجرائد. وكذلك ابن (إبراهام بوراز) عضو حزب شينوي, بينما هاجر حفيد (هيرتزوج) رئيس إسرائيل إلى السويد.

وتحاول معاريف تحليل أسباب هجرة أبناء وأقارب كل الأطياف السياسية اليهودية بمختلف أحزاب اليمين واليسار بل والأحزاب الدينية كذلك, وجاء هذا التحليل مختزلاً ومخلاً للغاية حيث زعمت أن هؤلاء ربما يبحثون عن حياة أفضل خارج إسرائيل أو مستوى تعليمي أرقى أكاديمياً كما اعتبرت أن من أهم الأسباب هو إتمام صفقات سهلتها ومهدت لها الوساطة وربما تكون قد بدأت في إسرائيل وذهبوا لإتمامها في الخارج خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؟!

والمخل في هذا التحليل ببساطة أنه تغافل تماماً عن الانتفاضة كسبب من أهم الأسباب لسوء الأحوال المعيشية وفقدان الحياة الآمنة داخل حدود ما يسمى بإسرائيل كما نسيت (معاريف) أن تضيف أن هجرة أبناء النخبة هو دليل صارخ على انهيار الروح المعنوية اليهودية من أعلى مستوياتها وهو ما ترجم عملياً بترحيل قادة إسرائيل على كافة المستويات لأبنائهم إلى خارج أرض الميعاد وتفضيلهم لحالة الشتات واللاوطن عليها مما يعني انهيار الحلم الكذبة في حس ووعي الجيل الأول من المؤسسين فضلاً عن أبنائهم, يقول يوسف بورج ([2]) مبشراً بزوال دولة الكيان اللقيط: " إن الدولة التي تنقصها العدالة لا تستطيع الاستمرار ويتوصل إسرائيليون كثيرون إلى هذه القناعة عندما يسألون أطفالهم: أين يريدون أن يعيشوا في الـ25 سنة المقبلة. ويجيب الأطفال بأنهم لا يعرفون. وهكذا يبدأ العد التنازلي لبقاء المجتمع الإسرائيلي" وهذا ما حاول جميع الساسة اليهود ستره بغطاء العجرفة والصلف وممارسة المزيد من العنف المحموم ضد أبناء فلسطين.

وللقارئ هنا أن يقارن هذه الحالة بالصورة المقابلة في جانب أصحاب الحق التاريخي وأبناء الأرض من أهل فلسطين الأبية وإصرارهم على الصمود واستعادة أرضهم وارتفاع روحهم المعنوية جداً بينما هم يتحدثون من تحت الأنقاض ومن وسط بحيرات الدم الفلسطيني!

كما فات تقرير معاريف أن يذكر أن بقية فئات الشعب الصهيوني ممن لا يمتلكون النفوذ –وخاصة اليهود الشرقيين- يخضعون للتجنيد الإجباري في المناطق الفلسطينية المختلفة حيث يصطلون بلهيب الانتفاضة الباسلة مما يدعم روح الضياع وعدم الانتماء فيهم ويحضهم على محاولة الخروج من هذا الجحيم بأي وسيلة ولو كانت التهرب من الخدمة العسكرية أو حتى الانتحار.

 

3- ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية:

تعد ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية من أخطر الظواهر التي تعاني منها إسرائيل أيضاً وقد تصاعدت هذه الظاهرة وبلغت ذروتها في ظل انتفاضة الأقصى الأخيرة وتتلخص أسبابها على الجملة فيما يلي:

- التحدي الذي تمثله انتفاضة الأقصى وما تسببه من خسائر في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام وميزانيات وزارة العدوان بشكل خاص وهو ما أثر بالتالي على مستوى المعيشة وزيادة نسبة البطالة فقد ارتفع عدد الفقراء، فيما بين 1998م و2003م، بنسبة 35% بينما ارتفع عدد الأولاد الفقراء بنسبة 50% وقد كشفت مصادر مطلعة ومتخصصة في الكيان ([3]) أن 1.4 مليون مواطن صهيوني عاشوا، في العام 2003، تحت خط الفقر بزيادة قدرها 100 ألف مواطن عن العام السابق، منهم قرابة 660 ألف تحت سن الـ18, من ضمنهم حوالي 40 ألف طفل وذلك نتيجة قرار الحكومة الصهيونية بتقليص شتى المخصصات، ومنها رعاية الأطفال وضمان الدخل وكذلك تسريح أعداد من الجيش من الجنود والموظفين وهو ما اعترف به نائب رئيس الأركان جنرال (جابي إشكنازي) حيث قال: "إن الجيش مر بتغيرات في المحيط الاستراتيجي وتطوير قدرات تكنولوجية واضطرارات مالية أدت إلى زعزعة الجهاز" , كما صرح بأنه سيتم فصل 5500 من جنود الخدمة الدائمة والموظفين المدنيين في الجيش الإسرائيلي وذلك اعتباراً من أول يناير 2005م.

- ارتفعت الخسائر البشرية والمعنوية -التي لا يرغب أحد في تحمل نتائجها- مع تصاعد الانتفاضة وتطور وسائلها القتالية وهو ما زاد من معاناة الجنود اليهود وأفقدهم الشعور بالأمان حتى أن الأوامر تقضي بعدم خروج أي جندي من دبابته أو مدرعته طوال مدة مناوبته مهما طالت لخطورة ذلك الشديدة عليه, وقد صرح اشكنازي بأن 90% من الشباب الإسرائيلي من الذكور يدعون بأنهم متدينون ليتهربوا من الخدمة بينما يعفى منهم 4% فقط لأسباب جنائية و6% لأسباب طبية ويبلغ نسبة المعافين من الخدمة 38% بمن فيهم الشباب من أبناء عرب 1948م

- ارتفاع معدلات الاغتصاب والتحرش الجنسي الغير مسبوقة مما حدا بالبعض داخل إسرائيل مؤخراً إلى المطالبة بإلغاء تجنيد الإناث لهذه الأسباب بالتحديد إثر تداول تقارير من مصادر مختصة بهذا الشأن داخل إسرائيل تتحدث عن معدلات خطيرة أدت إلى تهرب الفتيات من الخدمة وأكدت بعض هذه التقارير تعرض ما يقارب 6% من المجندات إلى اعتداءات جنسية وصلت في كثير من الأحيان إلى الاغتصاب إضافة إلى أسباب أخرى كسوء الأعمال التي يقمن بها في الغالب, يقول إشكنازي: "إن 30% من الفتيات اليهوديات اللاتي يتحتم عليهن أداء الخدمة العسكرية صرحن بأنهن متدينات فلا يؤدين الخدمة .. ومن الواضح أن معظمهن يتهربن من الخدمة بسبب عدم وجود محفزات" .. وأضاف إشكنازي: "إن أحد الأهداف المهمة للجيش الإسرائيلي هو إيجاد مهام تضع تحديات أمام الفتيات اللاتي لا يرغبن في تقديم القهوة أو القيام بمهام مكتبية أثناء الخدمة العسكرية" ..

 

المشكلات الخارجية (الانتفاضة):

تعد انتفاضة الأقصى المباركة بما تمخض عنها من واقع سياسي وإقليمي جديد من أهم وأخطر معضلات ما يسمى بإسرائيل وهو ما اعترف به الرئيس الأمريكي نفسه حيث أكد في بيان ما بعد الانتخابات الأخيرة حول الشرق الأوسط : "أن فكرة الدولتين ناتجة عن أن استمرار الأوضاع الراهنة سيقوض دولة إسرائيل" وهو الأمر الذي تسميه بعض الدوائر السياسية في إسرائيل بالعودة إلى حرب الاستقلال أي ما قبل 1948م.  إذاً فالهدف الحقيقي وراء خطة فك الارتباط وانسحاب إسرائيل من غزة ليس هو السلام بكل تأكيد, وإنما تعديل خريطة الصراع ومواجهة الانتفاضة بشرط ألا يظهر هذا الانسحاب كانتصار معنوي أو مادي للمقاومة وعلى رأسها حماس والجهاد, فقد صرح وزير العدوان 'الإسرائيلي (شاؤول موفاز) في حديثه لإذاعة جيش الاحتلال 'جلاتس' :' لن نسمح بانسحاب من غزة يفهمه الفلسطينيون على أنه انتصار للإرهاب', كما قال (زئيف بوييم): إن الشعب 'الإسرائيلي' إذا رأى في الانسحاب من غزة انتصاراً لحركة حماس والجهاد الإسلامي فانه يمكن وقتها لشارون اعتزال الحلبة السياسية من الآن'.

كما تحرص إسرائيل ألا تستثمر حماس وبقية الفصائل هذا الانسحاب عملياً والدليل على ذلك الخلاف الحاد داخل 'إسرائيل' منذ إعلان خطة الانسحاب حول تسليم أهم نقاط الأمن على الحدود مع مصر و هو محور 'صلاح الدين' أو [فيلادلفيا] الفاصل بين مصر وقطاع غزة لسيطرة قوات مسلحة مصرية، مع أنه يستحيل عملياً إتمام عملية الانسحاب دون الاتفاق على طرف معين يتولى السيطرة على الحدود بين الأراضي التي يتم إخلائها ومصر.

وتطالب مصر والسلطة الفلسطينية بنشر 750 جنديًا مصريًا في محور فيلادلفيا بالإضافة إلى قوات أخرى بموازاة 'النقب' لتأمين الحدود بين الدولتين, وإعطاء المزيد من الحرية للفلسطينيين في الدخول والخروج من غزة بعد الانسحاب دون المرور على نقاط تفتيش صهيونية, وفي هذا الصدد يقول زئيف بوييم: 'لا يمكننا ترك محور فيلادلفي' ليعبث به أفراد حماس ويقومون بتهريب الأسلحة المتطورة التي ستمكنهم وقتها من إخراجنا من غزة ومناطق أخرى ولكن سيكون انسحابنا في هذه الحالة انسحاب المهزومين'. وقد كشفت 'هاأرتس': إن لجنة الاستخبارات بالكنيست برئاسة يوفال ستينيتز وهي لجنة مكلفة بالإشراف على الأجهزة السرية حذرت في توصياتها مؤخراً إلى المجلس الأمني السياسي المصغر المنبثق عن مجلس الوزراء من المصادقة على هذه الخطة كما أكد وزير المالية الصهيوني بنيامين نتنياهو لراديو الجيش الصهيوني رفضه التام لهذا الاقتراح.

1 -  الانتفاضة نقلة جديدة في الصراع

لعل الانسحاب الإسرائيلي المزمع هو واحد من أهم نتائج الانتفاضة الثانية وإن لم يكن الوحيد, فما كان لخطة فك الارتباط هذه أن تتم إلا انصياعاً لقوة المقاومة وانحناءًً أمام ضرباتها الباسلة مما يؤكد أهمية خيار القوة كبديل جذري لتحرير فلسطين, فقد فاق نزيف الاقتصاد أو يكاد نزيف الدم الإسرائيلي, فما أشبه اليوم بالبارحة فكما أجبرت الانتفاضة الأولى اليهود على ما يسمى بخيار السلام واتفاقيات أوسلو فها هي اليوم تكرههم على الرحيل صاغرين من غزة بعد استنفاد مسرحية السلام لكل أدوارها.

كما أفقدت الانتفاضة الشعب اليهودي الأمان فأجبرته على الرحيل والهجرة العكسية ليعودوا شتاتاً من حيث جاءوا وأجبرت من تبقى منهم على التهرب من الخدمة العسكرية لمن لم يدخل مرحلة التجنيد أوالفرار من ثكناتهم كما ارتفعت نسبة الانتحار بينهم.

وقد أحدث التطور النوعي في أسلحة المقاومة والذي تمثل في تطوير عدة أجيال من الصواريخ محلية الصنع أحدث نقلة مميزة خاصة في قصف المغتصبات التي تتخلل كل المناطق العربية كنوع من التفتيت لهذه الوحدات والفصل بينها, لكن السحر انقلب على الساحر وأجبرت إسرائيل على وضع خطة لتفكيك ونقل الكتل الاستيطانية الكبرى مثل غوش قطيف وغيرها.

 

2-  الانتفاضة تهديد وجودي لإسرائيل:

مازالت أرحام أمهات فلسطين –ومنذ احتلالها- تدفع بأبطال الجهاد والاستشهاد ليكونوا وقوداً للمعركة, فما هو الجديد في هذه الانتفاضة حتى تشكل تهديداً وجودياً لأسرائيل؟!

يقول يوسف بورج:"الدولة الإسرائيلية الآن تختنق تحت وطأة الفساد والطغيان والظلم. ولهذا، فأنا أرى أننا نشهد نهاية للمشروع الصهيوني على الأبواب. وهناك إمكانية فعلية لأن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير. وستظل هناك دولة يهودية في الغالب في الشرق الأوسط، لكنها ستكون دولة غريبة وقبيحة".

تتضح هذه القضية بمعرفة استراتيجية إسرائيل في الصراع وارتباطها بتاريخ الخوف والمنبوذية لليهود فقد حرص اليهود ومنذ تكوين دولتهم المشئومة بمساعدة الصهيونية الصليبية على أن تكون دولة إسرائيل مركز ثقل للهيمنة والعدوان الخارجي على دول الطوق معتمدة مبدأ اليد الطولى التي تصل إلى الخصوم بالطائرات والاغتيالات والمؤامرات مدعومة بآلة عسكرية جهنمية ودعم مادي ومعنوي غير محدود من أمريكا وأوربا, وهذا يعني أن تكون الحرب سجال ورهان لكن مع اعتبار إسرائيل نفسها كدولة وكيان خارج هذا الرهان.

وبهذا الشكل كانت إسرائيل هي الجيتو الذي يأوي إليه اليهود خوفاً من الأمميين الأغيار وهرباً من الجبارين وأبناء الجبارين وكان يراد لهذا الوضع أن يستمر لولا يد الله القاهرة التي أخرجت أولي البأس الشديد ليبدأوا مرحلة الجوس خلال الديار وبسلاح عجيب لم يشهده العالم من قبل وهو القنابل البشرية أو الصواريخ الحية التي أدخلت الرعب في قلوب اليهود وأنهت مرحلة الوهن من حب الدنيا وكراهية الموت, وكان هذا يعني أن إسرائيل تضرب ولأول مرة منذ وجودها في عقر دارها غير أن رهان المعركة هذه المرة هو وجود إسرائيل نفسها أو عدمه في حالة الربح  والهزيمة وكلاهما أمر وارد, ولعل هذا ما دفع شارون إلى بناء الجدار العازل ليعيد الأمان المفقود لأمة التيه و يكرس فكرة الجيتو ويؤكد آية الجدر في كتاب الله ولا شك أن هذا عنصر جديد أدخل الصراع مرحلة جديدة تاريخية ومصيرية أيضاً.

 

3- الانتفاضة تكرس الانقسام وتعيد تشكيل القوى داخل  إسرائيل!

تشير الكثير من التقارير والتحليلات اليهودية في الآونة الأخيرة إلى صراع خطير داخل المجتمع الإسرائيلي ربما تنذر بنشوب حرب أهلية بين العلمانيين والمتدينين. يقول أبيعزر ربتكسي:: "تكشفت في السنوات الأخيرة في أوساط المجتمع الإسرائيلي خلافات لا تزالُ تنمو وتتعاظم حول قضايا الدين والدولة، القداسة والعلمانية، الشريعة والحُرية، وقضايا التوجه الشخصي والجماعي. وفق وجهة النظر التي تتشكل بسرعة في الجدل الجماهيري، تَظْهر هذه الخلافات لتشكل بالضرورة وتكشف ميولا واتجاهات لانقسام ثقافي وانتقادات للهوية الجماعية، تهدد بتقويض الأسس الجوهرية للصهيونية التقليدية إلى جانب النواة الإسرائيلية التي نبتت وتفتحت منها" ([4]).

وقد تعاظم هذا الصراع بصورة غير مسبوقة بسبب الخلاف الدائر حول مسألة الانسحاب من غزة حيث يطلق مصطلح "المتمردون" على معارضي خطة فكّ الارتباط، وأغلبهم من المستوطنين والواقع أن لفيف المستوطنين الصهاينة من غسيل شتات العالم يمثل ظاهرة عجيبة في ما يسمى بدولة إسرائيل, فقد أعلنوا دولة شبه مستقلة لهم في مغتصبات الضفة والقطاع يسمونها "مملكة يهودا" لها كل ما للدول من خصائص فمواردها المالية هائلة ولها قوة عسكرية لا يستهان بها بشرياً ومادياً وقد استعدت بكل إمكانياتها تلك للدفاع عن تلكم المغتصبات ومقاومة خطة الانهزام من غزة المسماة "فك الارتباط", مما حدا ببعض المقربين من المجرم شارون –بحسب معاريف- إلى التفكه بحال إسرائيل ووصفها بأنها تتحول من دولة إلى فيدرالية بين دولتين هما: دولة فلسطين ودولة المستوطنين! يقول يوسف بورج:" لقد تبيّن لي أن نضال الألفي عام من أجل الدولة، انتهى بأن تكون لنا دولة مستوطنات، تديرها عصابة من الفاسدين من صنّاع القانون ومخترقيه، والذين يصمون آذانهم عن مواطنيهم وعن أعدائهم "

وبحسب معاريف فإنه منذ إعلان شارون عن خطة إخلاء الكتل الاستيطانية في قطاع غزة أو ما يسمى بكتلة "جوش قطيف" شكل اتحاد الحاخامات هناك مباشرة هيئة أركان لجيش المستوطنات مقرها المركز التجاري في مستوطنة قطيف, وتولى القيادة الإرهابي (رافي ساري) الذي يقول عن كفاحه المزعوم: "إنه ليس نضالاً من أجل الحفاظ على المنزل الخاص في المستوطنة بل عن الوطن القومي على أراضي المملكة في الضفة الغربية وقطاع غزة" و "رافي" هذا درس في معهد ديني توراتي في مدينة القدس قبل أن ينتقل إلي مغتصبة "نتساريم" منذ سبع سنوات ليعمل كرئيس دار الدراسات الحاخامية العليا, ويعمل معه وزير للإعلام وهو الإرهابي (كوبي بورنشتاين), وعدد آخر من الوزراء كلهم من خريجي المعاهد الدينية العليا, فهناك وزير داخلية وهو مسئول عن صمود الجبهة الداخلية ورفع الروح المعنوية للمستوطنين ووزير آخر للخارجية وهو مسئول عن الاتصالات بأعضاء الكنيست المؤيدين لمقاومة إخلاء المستوطنات وتنسيق الأعمال مع جماعات الضغط  في الوسط السياسي الإسرائيلي بالإضافة إلى وزيرة للاتصالات مع عائلات المستوطنين ووزير للإمدادات والتموين والدعم اللوجيستي ووزير للأديان مختص بتنسيق جهود حاخامات المغتصبات.

وتذكر صحيفة معاريف أن الأفكار الأساسية وأيدلوجية أبناء المملكة هي القتال للحفاظ على الهوية القومية, وعلى هذا فلا تزال الصورة غير واضحة فالمحللون السياسيون في الصحف العبرية يضعون عدة سيناريوهات ليوم إخلاء المستوطنات ويتوقع بعضهم إصدار الحاخامات فتاوى تحض جنود جيش العدوان على التمرد على أوامر القادة والعصيان العسكري ثم إصدار أوامر للمستوطنين بالصدام المسلح مع قوات الجيش ربما تستخدم فيها الكميات الهائلة من مخزون السلاح بل بلغ التشاؤم بداني ياتوم" الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية أن يتحدث عن احتمال وقوع انقلاب عسكري في إسرائيل!

ومنذ إعلان خطة الانسحاب وإخلاء المستوطنات وعلى الفور بدأت المفاوضات مع ممثلي مملكة يهودا حيث يتعين على الحكومة التوصل لتسوية معهم أولاً حتى قبل البدأ بمفاوضات مع الجانب الفلسطيني خاصة أن أعداد المؤيدين لهم قد بلغت عدة مئات من الألوف ليس فقط من المتدينيين وإنما من العالمانيين كذلك.

ولا يقتصر الخلاف داخل دولة الكيان فقط على الصراع ما بين المستوطنين والدولة ولكن يتعدى ليشمل قطاعات سياسية واسعة داخل ما يسمى بإسرائيل حيث بلغت نسبة الرافضين للانسحاب 40% من أعضاء اللجنة المَركزية بالليكود ومنهم بعض أهم المرشحين لقيادة الحزب في انتخابات نوفمبر 2004م ؛ كما صوت أغلبية أعضاء الليكود ضد الخطة في الاستفتاء الداخلي مايو2004م.

وقد تمثلت هذه المعارضة في صورة صدام قوي داخل المؤسسة السياسية في إسرائيل وخاصة -حزب الليكود- أسفرت عن استقالة عدد مِن وزراء الاتحاد الوطني والحزب القومي الديني من اليمين المتطرف ومن أهمهم قائد  تحالف المعارضين من المستوطنين والليكود الوزير بدون حقيبة في حكومة شارون "عوزي لانداو" الذي استقال العام الماضي كما قدم ناتان تشارانسكي الوزير الإسرائيلي المكلف بالعلاقات مع الشتات استقالته من الحكومة أثناء اجتماع مجلس الوزراء هذا العام مبرراً هذه الخطوة بمعارضته التامة لإجلاء ثمانية آلاف مستوطن من قطاع غزة وتشارانسكي هذا هو صاحب كتاب "قضية الديموقراطية"، الذي أشاد  به جورج بوش في عدة مُقابلات قائلاً: "إذا أردتم أخذ فكرة عن مواقفي بشأَنِ السياسة الخارِجِية فَاقرؤا كتاب ناتان تشارانسكي إِنه كتاب قَيم" وقد اتهم بعمالته للمخابرات الأمريكية في روسيا موطنه الأصلي ثم أفرج عنه لاحقاً, وتتباين اتجاهات هؤلاء وتتنوع أطيافهم السياسية ([5]) على الجملة في ثلاثة فصائل:

* مانهيغوت يهوديت أو (الزعامة اليهودية) وهي جبهة متشددة داخل الليكود والأكثر تطرفاً, تأسست في التسعينات من القرن الماضي، وتعمل لِتأسيس دولة يحكمها الحاخاميم، حيث تعتبر الصَّهيونية أيديولوجية علمانية تقبل التفاوض حول الأرض وتعمل على تجنيد أشخاص جدد للحزب بل وتعارض اتفاقية أوسلو وترفض تسليم أي جزء من الأرض إلى "العدو" كما يقول زعيمها موشيه فايغلن الذي قال أيضاً:"ما من أحد يستطيع التغلب على إرادة الله ليبقينا في غزة" , وترى مانهيغوت يهوديت فرقاً ضئيلاً بين شارون ومعظم مُعارضيه مِن حزب الليكود يقول فايغلن: "حتى عوزي لانداو سيتصرّف بنفس طريقة شارون لو قُدَّر لهُ أنْ يصبحَ رئيساً للوزراء لقد بيَّن لنا نتنياهو ماذا فعل كرئيس للوزراء إننا البديل الوحيد لقد سبق لهم -أي زعامة الليكود الحالية- أن وافقوا على دولة فلسطينية، والفروق هي تكتيكية ـ مقدار ما سيتم التخلي عنه وكيف"

* الفاتيكيم: وهم من قدامى المُتمرسين في حزب الليكود وينتمي أغلبهم إلى المنظّمة السريَّة العسكرية حيث يؤمنون بوجوب إقامة إسرائيل الكبرى فيما يسمى بأرض الميعاد، ولذلك يرفضون بشدة عملية الانسحاب أو إقامة أي دولة للفلسطينيين عليها, يقول زَعيم الفاتيكيم: إنني لا أصدّق الفلسطينيّين، كما أني لنْ أثق بهم أبداً, إنهم عصابات من القتلة, لن يكون هناك سلام معهم أبداً, علينا أنْ نَحيا دائماً بقوة السيف, وحتّى لو قدمنا لهُم مدينة القدس، فإنهم لن يتوقّفوا ويلينوا إنهم يُريدُون تدميرنا". "ويعتقد جزء كبير من  هؤلاء أن أرييل شارون متطفل دخيل عمل على اختطاف الحزب من الداخل ودائماً ما يعيرونه بجذوره الأولى كعضو في "الماباي" وهي الطليعة القديمة لحزب العمل كما لا يفوتون له تعاونه مع رابين الذي اغتاله المتطرفون منهم منذ سنوات.

* اليهود الشرقيين (السيفارديم) مجموعة أقل تنظيماً من الأعضاء التقليديين والمحافظين في حزب الليكود ـ ويقطن أغلبهم قرى التنمية والمناطق الفقيرة ويقبلون بإقامة دولة فلسطينية ولكن في أضيق الحدود، وهذه المجموعة هي الأهم والتي يسعى شارون لكسب أصواتها لكثرة أعدادها ولقناعتها عموماً بأفكاره ماعدا بعض التفاصيل غير الجوهرية.

 

ثانياً: تكتيك الانسحاب بين الرؤية الأيديولوجية و الأهداف الاستراتيجية

يقول المحلل السياسي بن كسييت: "إن شارون يأمل أن تنفذ خطة الانفصال عن الفلسطينيين وإخلاء بعض المستوطنين من قطاع غزة بهدوء, وإن تم ذلك فهو يحلم بأعوام طويلة من الهدوء والاستقرار في انتظار تغيير القيادة الفلسطينية والقضاء نهائياً على حركات مقاومة الاحتلال الفلسطينية, وبعدها قد يفكر في العودة إلى إحياء مفاوضات خريطة الطريق" (