الكويت : صراعات هابطة وسـط أخطـار محدقـة !!

 

الكويت : صراعات هابطة وسـط أخطـار محدقـة !!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
المقال تم نشره في صحيفة كويتية بارزة هنـا
يجمع  أهل الرأي السديد في الكويت أنَّ الخطر المحدق بها من المشروع التوسعي الإيراني لايقارنه أيّ خطـر آخر ، وأنَّ هذا السرطان الخطير ـ بنسخته الكويتية ـ  إستطاع أن  يبلغ مرحلة متطـوّرة بالغة الخطـورة لثلاثة أسباب :
 
أحدها : ضعـف المؤسسة السياسية القياسي على مستوى كلّ تاريخ الكويت ، ممـّا أدّى إلى إنتشـار الصراعات الهابطة (الطفولية) التي تشغل المجتمع بترّهات التقسيمات الجاهلية إلى بـدو ، وحضر ..إلخ ، وما يدور في هذا الفلك من نفايـات (تخـلّف العهود البائدة) !! وتُستعمل فيها حتّى السفـاهة ، ولغة الخطاب الساقط ، وتُجتـرّ معها أحقاد تاريخية ، لامحل لها من الإعراب سوى في عقول مراهقة ، لاتحسن سوى لغة مفرداتها مشابهة للغة (المجاري والصرف الصحي) ، لعجزها عن بناء مشاريع أمة عصرية ناجحة في الفضاء النقـي!
 
ولا يخفى المراقبون وجود دلائل متكاثرة على أنّ ثمـّة أيـدٍ خفيـّة ،  وراء تأجيج هذا الصراع  ـ لاسيما في الوسط السنّي ـ  وتهـدف أذرعة المشروع الإيراني أنّ يبقى هذا الوسـط ،  بهـذا الدوّامـة ، لأنّ ذلك يوفّـر أجواء ملائمة جداً لصرف النظر عن مخطـّط المشروع الإيراني في الكويت الذي يسير بخطى صامتة في إتجاهين :
 
ـ التغلغل في قيادات المؤسّسة الأمنية ، والعسكريّة خاصة. 
 
ـ التمركز في مفاصل الدولة الحسّاسة في شتـّى الدوائـر .
 
السبب الثاني : فراغ المشهد السياسي من مشروع جامع للمجتمع يحقق مصالحه العامة ويتّفـق نخبه ، ومؤسساته ، وأفراده عليه ، فحتّى ( الوطنيّة ) ليس لها دلالة حقيقية ، كما قـد يكون في بلاد أخرى ، ويكاد يقـرّ الجميع أنّنـا لسنـــا في ( دولة مواطنة ) ـ وأيّ دولة عربية أصلاً هي دولة مواطنة ـ بل ( دولة مكوّنات طبقيّـة ) ، ثـمَّ إنّ المكونات هذه التي تتوزّع على عـدّة أُسس ، عائلية ، حزبية ،  حضرية ، بدوية ، قبلية ، طائفية ..إلـخ ،  تتداخل بصورة عجيبة ، وفي أثناء تداخلاتها تحدث دوّامات الصراعات اليومية ، التي تسيـر إلى غير جهـة محددة ، بل تبـدو وكأنهـا ( بوصلة تائهة) تمامـا.  
 
ولكن لو أردنـا أن نرسـم أعـمّ صورة ، من إسقاط فوقـي ،  للمشهد السياسي في الكويت ، فهـو أنه يعيش في الخفاء صراع يزداد شدة  ، داخل الأسرة الحاكمة من جهة ، وبينها وبين خارجها من جهة أخرى ، وهذا الخارج في حالة إستقطاب ما ـ في أكثـر الأحيـان ـ لذلك الصراع الداخلي .
 
وكذلك من جهة ثالثـة صراع طبقـي إجتماعـي : بين طبقة تجـّار ( الإقطاعيين الرأسماليين الكبار ) ومن يدور في فلكهم ، الذين يريدون بقاء السيطرة على المركـز فـي دوائـر ( المال و النفوذ ) بأيديهم ،  وبقية مؤسسات المجتمع ، ومكوناته تبقى ـ وإن بأسلوب مهذّب ـ في تبعيـّة ما لهذا المركز ، وهؤلاء أشد ما يزعجهم طروء  أي تطوير سياسي يفقدهم هذه السيطرة .
 
وهؤلاء يطبّلـون ( للديمقراطية ) ـ كما هي دائما خدعة السيطرة ـ مادامت تحفظ لهـم مركزهـم ، ثـم يحاربونها ، إلـى درجة المطالبـة بإلغاءهـا إنْ شعــروا أنها ستوفـر غطاءً ( للمواطنين ) المتمتّعين بحـقّ المساواة وعلى رأسها ( المساواة في الفرص فيما يفترض أن تكون دولة المواطنة ) ،  لمنافستهم على النفوذ المالي ، والسياسي ..إلخ ، ولذلك حارب هؤلاء نظام الأحزاب ، بكـلّ ما أوتوا من قـوّة ، لأنـّه سيُدخل نظاما جديـداً ، يُبنـى على فهم تقدّمي عصري ، لكنّـه يربك نظــام السيطــرة الذي يتحكـّم فيه أولئك ( الإقطاعيـون الرأسماليون الكبـار ) ، مستغلين ( خدعة الديمقراطية ) لبقاءه بأيديهم .
 
بين هذه الطبقة ( البرجوازية ) ـ إن صحّ التعبير ـ  وبين (المنافسين الجدد) القادمين من طبقات كانت مُبعدة وتعيش حرمانا سياسيّا ، ثـم أطمعها تصديقُهـا بأنَّ ثمـّة تكافـؤ فرص حقيقي في ظـلّ (ثقافة مواطنة كاملة ) يحميها (دستور ديمقراطي ) !  أطمعهـا ذلك لتنافس  في محاولة إحداث تغييـر يعيد ترتيب خارطة (المال والنفوذ).
 
هذا ولا تُدار مفرادت هذا الصـراع  الطبقـي الأصلية ،  إلاّ في المؤسسة الشعبيّة السياسيّة التقليديّة في الكويت ( الديوانية ) ، ومفرداته مثل : (هؤلاء جاؤوا يرفعون رؤوسهم علينا ) ، و(من أتت هذه الفئة لتنافسنا على خيرات بلدنا ) ، و( مرتزقة يريدون أن يستغلـُّوا المؤسسة النيابية لتخريب التركيبة الكويتية الأصيلة ) ..إلـخ
 
وفي المقابـل  ألفاظ الجهة الأخـرى : ( إلى متى نحن محتقرون ) ، ( وهل نحن عبيد لهم ) ، و( هذا التعالي علينا و التشكيك الدائم بنا متى ينتهي ) و( أخذوا كلّ شيء واعطونا الفتات ليضحكوا علينا ) ..إلـخ
 
وهذه ألفاظ قـد ترجمتـُها مهذَّبـةً جدا ً، وإلاّ فهي أفظع من هذه بكثير.
 
 غيـر أنَّ هذا الصراع الخفـي ،  يظهـر في العلن في الدوائر ،  والمنابر الرسمية ، والصحف الرئيسة ، في قالـب ألفاظ أخـرى ، وفي صورة توتـّرات بين المجلس النيابي ، والسلطة التنفيذية ، ثـم تنعكس على من يدور في فلـك هذه ، أو تلك .
 
والمقصود أنّ هذا الفراغ السياسي ، والصراع الطبقي ، منـح أجواءً مثاليـّة لتنفيذ المخطط الإيراني ، فهذا المخطـَّط من جهة يغـذّي هذا الصراع حتى يمـزّق النسيج الإجتماعي ، ومن جهـة يستفيد منه في وصوله إلى مفاصل الدولة، باللعب على التناقضات ، وتوظيف التجاذب لصالحه ، ولهذا فهو هنا غالبـا كما يقال في المثل الشعبي الكويتي : ( يلعب على الحبلين ) .
 
السبب الثالث : استغلال هذا المشروع الإيراني لأمرين خطيرين في الكويت :
 
ـ التبنـّي ( الغبيّ ) لشعـار نبـذ الطائفية ، الذي استغله هذا المشروع للتمدّد السريع ، وأقول ( الغبيّ ) لأنَّ التبنّي الذكيّ هو الذي يجنب المجتمعات أخطار المشاريع الأجنبية !
 
ـ السطحيّة الثقافيّة لكثير من أصحاب القرار ، وشرائح من العموم ، بالنسبة لخطورة هذا المشروع الإيراني ، وبتطوّر الفكر الشيعي الذي يقوم عليه ، إلى فكر سياسيّ ثوريّ دمويّ منظـّم ، منذ قيام الثورة الخمينية .
 
والأخطر من هذا كلّه ، أنـّه قد جاءت هذه الأسباب الثلاثة في مرحلـة توسّع النفوذ الإيرانيّ في العراق ، واستطاعته أن يُقيم له ركائز قوية في المنطقة الشرقيّة في المملكة السعوديّة ، ويشعل حربا إنفصاليّة في اليمـن ، ويقيم له دولة داخل دولة في لبنان ، ويكتسـب قبـولاً عربيّا متزايـداً في تبنّيه ـ في العلن ـ  خـطّ المقاومة في القضيّة الفلسطينيّة التي تلتفّ حولها الأمـة .
 
وهو يحمل مشروعاً طويل النفس ، يقطع المراحل بتؤده ، وتروّ ، ويلبس في كلّ بيئة كالحرباء لباسـاً وطنيـّا ، ويوظـّف له شخصياته المحليّة ، ويمـدُّها إلى جانب الدعم المادي ، بالتخطيط الذي أحيانا يفوق قدرة الدولة على مواجهـته بالمستوى المطلـوب ،
 
 ولهذا كثيراً ما يبدو في الظاهر ـ كما عندنا في الكويت ـ أنّ مظاهـر مخطط الجيب الإيراني ( حزب الله الكويتي )  في الحقيقـة هـو أكبر من قدرة هذه الشخصيات الكويتية ، ومـَنْ تحتها من الكوادر ، ومـَن يساعدها منِ البعد الشعبي الشيعي الداعـم ، والسبب أنّ الدهاء الإيراني نفسه يقف وراءهـم بكلّ ما أوتي من خبرة متراكمة . 
 
وأخيـراً ... وجد الكويتيون أنفسهـم ، بعد تغلغل المشروع الصفويّ في العـراق ، في حضن الهلال الشيعي شرقاً إيرانيّاً ، وشمالاً عراقيـّاً ، وهو يتلمـظّ بلسانه على ما فيها من خيرات ، ويراها الحلقة الأضعف خليجيـا ، طامعــاً في أن يطـوِّر قدرات ( حزب الله الكويتي ) ، ليحوّله إلى أعلى رقم في المعادلة السياسية في مرحلة أولى ، ثم إلى دولة داخل دولة في المرحلة الثانية  ـ كما في لبنان ـ  ثم إلى نظام سياسي خميني لكنه يلبس ( الغترة والعقال)  في المرحلة الثالثة ، ثم إلى إندماج شامل مع الثورة الخمينية في المرحلة الخامسة ، ولايهمـّه طول مـدّة كلّ مرحلة ، فمادامت الحالة السياسيّة الكويتيّة مشغولة بما ذكرت في الأسباب الثلاثة الماضية ، ففرص نجاح المشروع الإيراني هي الأوفـر في الكويـت من كـلّ ما سواها .
 
وإذا بقيـت دول الخليج غير قادرة على صياغة مشروع جماعـيّ جاد وناهـض ، يواجه المشروع الإيراني القادم بقـوّة ، والقادر لوحده أن يعقد الصفقات الكبرى مع أمريكا ، يواجه هذا المشروع الخطير ، وينظـّف ما فيها من أذرع هذا المشروع .
 
وإذا بقيت في صيغِهـا السياسية الحالية التي تعود إلى القرون البالية ، والتي أكل عليها الدهر وشرب ، (سادة يحكمون عبيداً ) ، ثرواتها مهدرة ، ونخبهـا مهمّشـة ، أو مطبِّلـة ، وشعوبها قطعان همُّهـا إمـّا الأكل ، والشرب ، أو مظاهر الترف ، ومتطلبات الدَّعـة .
 
وإذا بقيت تثق في السياسة الأمريكية المتخبطة التي لايهمها إلاّ أطماع المجمّع الصناعي ، والمالي ، وصنّاع السلاح ، في الهرم السياسي الأمريكي ، وإرضاء الروح الصليبيّة العميـاء لمعتوهي المحافظين الجدد.
 
فسوف يأتي اليوم الذي تتمثـّل فيه :
 
كتبتُ بأدمعي خطّا بكفّـي ** كتابــاً بالتنـدِّم من صنيعي
أَنِمْتُ وخِنْجرُ الأعداء يدنُو ** وسيفُ المكر يقرُبُ من ضلوعِي؟!
 
والله الموفق ،،،،
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 17/10/2009