الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : 
فـي هذا الإطلاق نظـر ، وإن كان الظاهـر أن قائله قـد يريد بـه معنى  صواب.
 
ومعلوم أنَّ  إطلاق الألفاظ التي لم تستعمل في الكتاب والسنة على المطالـب الشرعية ، كثيرا من ينطوي تحته مثل هذا الغموض ، فيثمـر الإشكـال ،  مثل لفـظ ( الآخـر ) و (التعايش) ، وكذا (مبدأ الإحترام) ، والواجب استعمال الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ،  لاسيما في هذه الأبواب العظيمة دفعا للبس ،  ورفعا لتوهم الباطل ، فإن استُعمل غيرها فيكون بالتفصـيل ، إن كان المقام يحتـمل الإلتباس .
 
والحـق أنّ القرآن مليء بالطعن على الضلال الذي هـو كلّ دين غير دين الإسلام ، قال تعالى ( فماذا بعد الحق إلاّ الضلال ) وقال ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخـرة من الخاسرين ) ، كما أنـه مليء بالتشنيـع على أهل الكفر والضـلال ، والبراءة منهـم ، وبأمـر المؤمنين بذلك ، 
 
وكيف يوصـف القرآن بأنـّـه أعطـى صفـة الاحترام المشتقّـة مـن( الحرمة ) لما علق عليه الخسران المبين ، ولما ضرب له أسوء الأمثلة في كتابه ، واطلق عليه أشـنع الأوصاف ، وأبشع الأسماء ، فسمّاه الكفر ، والضلال ، والظلمات ، والعمـه ، والإفـك ، والظلم ، والجهـل ، والسـفه ، والخـزي ، وقال : صمّ ، بكـمٌ ، عمـيٌ ، وحصـب جهــنم ، وضرب لهم أسوء الأمثلة وقال ( ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ) بعد أن ضـرب لهم مثلا بالكلـب ..إلخ.
 
ومـع هذا ،  فإنّ الشريعة لم تحـرم أن يعيش المسلمون مع غيرهم من غير المحاربيـن ، تعايشا آمنـا ، يتبادلون المصالح والمنافـع ، وفق ما أنزل الله تعالى عليهم من أحكام ، ويتضـمن ذلك الإحسان في مواضعه المحمودة ، وضده في ضدهـا.
 
أما نهي القرآن عن سب آلهة المشركين ، فلا يطلق القـول إنه دليل على مبدأ الإحترام ،  فإنـّه نهـي مخصوص بمقام يُخشـى فيه وقوع ضرر أكبـر منـه ، وبهذا يحصـل التوفيق بين هذا النهي ، وما في القرآن من أوصاف الذم الشنيعـة على الطاغوت وأولياءه ،وما ورد في الأخبار مـما هـو نظيـر ذلك. 
 
قال الإمام الشوكاني : ( وفي هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق ، والناهي عن الباطل ،  إذا خشي أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم ، ومخالفة حق ، ووقوع في باطل أشد ،كان الترك أولى به ،  بل كان واجبا عليه ،  وما أنفع هذه الآية ، وأجل فائدتها ، لمن كان من الحاملين لحجج الله ، المتصدين لبيانها للناس ،  إذا كان بين قوم من الصم البكم ،  الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه ،  وتركوا غيره من المعروف ،  وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من المنكرات ،  عنادا للحق ، وبغضا لاتباع المحقين ، وجراءة على الله سبحانه )
 
قال القرطبي : ( قال العلماء : حكمها باق في هذه الأمة ، على كل حال ،  فمتى كان الكافر في منعة ، وخيف أن يسب الإسلام ،  أو النبي عليه السلام ، أو الله عز وجل ، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ،  ولا دينهم ،  ولا كنائسهم ، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك ،  لأنه بمنزلة البعث على المعصية ، وعبر عن الأصنام ، وهي لا تعقل بالذين على معتقد الكفرة فيها) .
 
وفي هذه الآية أيضا ضرب من الموادعة ،  ودليل على وجوب الحكم بسد الذرائع ،  حسب ما تقدم في البقرة ، وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له ،  إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين ،  ومن هذا المعنى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لا تبتوا الحكم بين ذوي القرابات مخافة القطيعة).
ويدخل في هذا الذي ذكره هذان الإمامان ، أن يكون الداعي في مقام الدعوة لغير المسلمين ، فيستعمل معهـم الـرفق ، ويتجنـّب ما ينفـرهم في وصف ما هـم عليه من الكفر والباطل ، حتى يستميلهم إلى الحـق بألطـف العبارة ، وأجمـل الإشارة .
والظاهر أن القائل المنقول كلامه في السؤال يقصـد هذه المعاني الصحيحة ، والواجب حمـل كلام المتكلم على مقتضى إحسان الظـن .
 
والله أعلــم